حين يتحوّل الليل إلى عدوّك: السّهر الطويل يهدد صحة الرجل بصمت
ربّما تسهر طويلاً خلال الليل، متصفحًا هاتفك، أو تشاهد فيلمًا جديدًا، أو ربّما لانشغالك بأعباء العمل، فلا تتمكّن من النوم بما يكفي من الساعات التي يحتاج إليها جسمك.
وبالتأكيد سيكون لجسمك استجابة لهذا الأمر، إذ لا يضرّ السهر الطويل قدرتك على التركيز في اليوم التالي فحسب، بل قد يؤثِّر في جهازك المناعي، وربّما تسبّبت قلة النوم في زيادة احتمالية الإصابة بمشكلات صحية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو زيادة الوزن، لذا كيف يؤثر السهر الطويل على صحة الرجل الجسدية؟ وكيف تتجنّب أضرار السهر وتتمتّع بنومٍ صحي؟
كيف يؤثّر السّهر الطويل على صحة الرجل الجسدية؟
قد ينعكس السهر الطويل سلبًا على صحة الرجل من نواحٍ متعددة، إذ يعني غالبًا حرمانه من عدد ساعات النوم الكافية التي يحتاجها الجسم لاستعادة نشاطه وتوازنه. فالنوم لا يُعد مجرّد وسيلة للراحة، بل عنصر أساسي للحفاظ على وظائف الجسم الحيوية كافة. لذلك، فإنّ قلة النوم الناتجة عن السهر المفرط قد تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بعدد من المشكلات الصحية، مثل:
1. ارتفاع ضغط الدم
إن كُنت تنام لفتراتٍ أطول في عطلات نهاية الأسبوع أو تذهب إلى السرير في أوقات مختلفة كل ليلة، فقد تكون أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، حسب دراسةٍ عام 2023 في دورية "Hypertension".
بل إنّ الحفاظ على روتين نوم ثابت، بما يتضمّن من الذهاب إلى السرير والاستيقاظ في نفس الوقت تقريبًا كل يوم، يساعد في الحفاظ على ضغط الدم، وذلك بغض النظر عن الأيام العادية في الأسبوع أو عطلة نهاية الأسبوع، بل يجب التزام موعد نوم واستيقاظ ثابت باستمرار.
2. زيادة الوزن
قد يؤدّي البقاء مستيقظًا حتى وقت متأخر من الليل إلى تناول مزيدٍ من الوجبات الخفيفة، خاصةً الأطعمة الغنية بالدهون والكربوهيدرات، حسب ما أشارت إليه دراسة عام 2022 في دورية "Nutrients"، فهذه الأطعمة تُضِيف الكثير من السعرات الحرارية، بما قد يسهِم في زيادة الوزن.
كذلك فإنّ عدم النوم بما يكفي من الساعات، قد يجعلك تشعر بالجوع أكثر من المُعتاد، لأنّ قلة النوم، تقلّل مستويات هرمون اللبتين، وهو الهرمون الذي يجعلك تشعر بالشبع، وبنفس الوقت تزيد مستويات هرمون الجريلين، الذي يجعلك تشعر بالجوع.
3. مرض السكري من النوع الثاني
ليس السهر الطويل مرتبطًا بزيادة الوزن فحسب، بل قد يكون مرتبطًا أيضًا بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
فقد أظهر تحليل تلوي عام 2022 في دورية "Advances in Nutrition"، تضمّن 39 دراسة، أنَّ الأشخاص الذين ظلُّوا مستيقظِين حتى وقت متأخر، أكثر عرضةً للإصابة بمرض السكري بشكلٍ ملحوظ، بالإضافة إلى مشكلات صحية أخرى.
كذلك فإنّ السهر الطويل يجعل السيطرة على مستويات السكر في الدم أصعب، إذ يُوصَى المصابون بمرض السكري بتناول وجبات الطعام في وقتٍ مبكرٍ من اليوم.
كما أظهرت دراسة عام 2019 في دورية "Journal of Clinical Sleep Medicine" أنّ أنماط النوم تؤثر في الهرمونات والالتهابات، مما يؤثِّر بدوره في قدرة الجسم على تنظيم نسبة السكر في الدم.
اقرأ أيضًا:هل يمكن أن يكون النوم العميق دواءً طبيعيًا لحساسية الإنسولين لدى الرجال؟
4. انخفاض الرغبة الجنسية
قد يؤدِّي عدم النوم بشكلٍ كافٍ إلى انخفاض الرغبة الجنسية للرجل، فقد بيّنت دراسة صغيرة عام 2011 في دورية "JAMA Network" أنّ الشباب الذين فقدوا قدرًا من النوم خلال أسبوعٍ واحد، شهدوا انخفاضًا في مستويات هرمون التستوستيرون.
فالنوم لمدة 5 ساعات أو أقل، يقلّل من مستويات الهرمونات الجنسية بنسبةٍ تصل إلى 10 - 15%.
كما أفاد المشاركون أيضًا أنّ مزاجهم العام ونشاطهم، تراجعا مع كل ليلة متتالية من النوم المتقطّع.
5. شيخوخة البشرة
لا يؤثر السهر الطويل في صحتك الجنسية فحسب، بل قد يؤثِّر أيضًا في مظهر بشرتك، إذ قيّمت دراسة عام 2013 نشرتها "Cleveland"، شملت أشخاصًا تتراوح أعمارهم بين 30 - 50 عامًا، عادات نومهم وحالة بشرتهم.
وأشارت النتائج إلى أن الأشخاص الذين حصلوا على قسطٍ قليلٍ من النوم، كان لديهم المزيد من الخطوط الدقيقة والتجاعيد، ولون البشرة غير المُوحّد، إضافة إلى ارتخاء ملحوظ في الجلد.
وكان المشاركون الذين لم يحصلوا على قسط كاف من النوم أكثر استياءً من مظهرهم، مقارنةً بغيرهم ممن يحصلون على قسطٍ كاف من النوم.
تأثير السهر على جهاز المناعة عند الرجال
خلال النوم، ينتِج الجهاز المناعي مواد وقائية مضادة للعدوى، مثل الأجسام المضادة والسيتوكينات، ويستخدم هذه المواد لمحاربة البكتيريا والفيروسات.
بل تساعد بعض السيتوكينات أيضًا على النوم، مما يمنح جهازك المناعي كفاءة أكبر للدفاع عن جسمك ضد المرض.
لذا فالحرمان من النوم، يمنع جهازك المناعي من بناء قواه، فإذا لم تحصل على قسطٍ كاف من النوم، سواء كان بسبب السهر الطويل أو غير ذلك، فقد لا يتمكّن جسمك من التصدِّي للعدوى، بل قد يستغرق وقتًا أطول للتعافي من المرض.
كيف يضر السهر بالذاكرة والتركيز اليومي؟
قد يؤدي السهر المستمر ليلة واحدة دون النوم إلى مشكلات تتعلّق بالقدرات الذهنية، فقد وجدت دراسة نشرت عام 2016 في مجلة "Sleep" أنَّ أسبوعًا من النوم غير الكافي كان له آثار سلبية مختلفة على الوظائف الذهنية، مثل اليقظة والمزاج، حتى لدى المراهقين ذوي الأداء العالي في المدارس الثانوية.
بل حتى عندما تمكّن المشاركون من الحصول على بضع ليالٍ من النوم التعويضي، فإنّهم لم يستعيدوا بشكلٍ كامل مهارات التفكير والذاكرة "الوظائف الإدراكية".
اقرأ أيضًا:علاقة أعمق مما تظن.. النوم قد يكون سلاحك السري لخسارة الوزن
نصائح لتجنّب أضرار السهر والتمتّع بنومٍ صحي
ما دام السهر الطويل وقلّة النوم شديدة التأثير على صحتك إلى هذا الحد، فربّما من الأفضل اتّخاذ بعض التدابير لتجنّب أضرار السهر والتمتّع بنومٍ صحي، وفيما يلي بعض النصائح لمساعدتك على تحقيق ذلك:
1. روتين نوم جيد
يتضمّن روتين النوم الجيد، وضع جدول نومٍ منتظم، إذ تظهِر الأبحاث أنّ جدول النوم والاستيقاظ الثابت يمكِن أن يحسِّن جودة النوم، لكن هذا لا يحدث إلّا باتّباع روتين مناسب كل ليلة، قد يتضمّن:
- تجنّب النظر إلى الشاشات الإلكترونية قبل النوم بساعةٍ أو أكثر.
- ضبط درجة حرارة غرفة نوم، كي لا تكون شديدة الحرارة أو البرودة.
- تقليل شدة الأضواء في الغرفة في وقت محدد.
- قراءة كتاب.
2. تجنُّب الكافيين
صحيحٌ أنّ الكافيين يمدّك بدفعة من الطاقة، ويزيد نشاطك ويقظتك، لكنّه قد يمنعك من النوم ليلا، خاصةً إذا تناولته في وقتٍ متأخر، لذا يُنصَح بتجنّب تناول المشروبات الغنية بالكافيين، مثل القهوة، في غضون 6 ساعات قبل النوم، إذ قد يزيد الوقت المستغرق للدخول في النوم، كما قد يقلّل مدة النوم.
3. التعرُّض لضوء النهار
التعرُّض لضوء النهار ضروري للحفاظ على إيقاع الساعة البيولوجية، وحسب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها "CDC"، فإنّ التعرُّض لضوء الصباح الساطع، يُحسِّن النوم ليلا.
لكن الضوء الطبيعي غير ماثل للضوء الصناعي، إذ يُوصَى بعدم التعرّض للضوء الاصطناعي، مثل الهاتف أو الحاسوب في الليل، كي لا يؤثر في جودة نومك، كما يُنصَح بتعتيم الأضواء المنزلية قبل النوم بساعتين تقريبًا، للمساعدة على النوم.
4. النشاط البدني
لا تحميك ممارسة الرياضة من الأمراض فحسب، بل يمكِن أن تكون ذات أثر واضح في تحسين نومك من خلال المساعدة على الدخول في النوم بسهولة، والبقاء نائمًا لفترةٍ أطول، فالتمارين الرياضية:
- تزيد إنتاج الجسم الطبيعي لهرمون الميلاتونين، الذي يُسهِم في تنظيم الساعة البيولوجية أو دورات النوم والاستيقاظ.
- تقلّل التوتر، وهو من أسباب قلة النوم.
- تعزّز المزاج، بما يجعلك أكثر ميلا لممارسة الرياضة، وهو ما ينعكس إيجابًا على نومك.
- تنظّم درجة حرارة الجسم، بما يساعد على النوم بسهولةٍ أكبر.
لكن يجب تجنّب ممارسة التمارين الرياضية عالية الكثافة بالقُرب من وقت النوم، كي لا تأتي بنتيجة عكسية.
اقرأ أيضًا:مكملات الأشواجندا أم الميلاتونين: أيهما الأفضل لنوم مثالي؟
5. علاج اضطرابات النوم
ربّما كان هُناك اضطراب يمنعك من النوم مبكرًا، ويُبقِيك مستيقظًا طوال الليل، مثل انقطاع التنفس في أثناء النوم، أو متلازمة تململ الساقين، أو غيرها، لذا يُوصَى باستشارة الطبيب المُختص، لمساعدتك على التعامل مع اضطرابات النوم التي قد تمنعك من النوم ليلا.
