هل يمكن أن يكون النوم العميق دواءً طبيعيًا لحساسية الإنسولين لدى الرجال؟
هل كُنت تتخيّل أنّ نومك قد يؤثِّر في تعامُل جسمك مع قطع الحلوى التي تتناولها؟
ليس هُناك ما يدعو إلى التعجّب، فأجهزة الجسم تعمل بتناغمٍ تام، وكما يستعيد جسمك طاقته خلال النوم، فإنّه يُعِيد ترتيب أوراقه، ويتعامل مع مستويات السكر في الدم، محافظًا على استقرارها قبل أن تستيقظ.
لكن ذلك يتم إذا كانت حساسية الإنسولين طبيعية لديك، ولم تكُن خلايا الجسم مُعانِدة لهرمون الإنسولين، فيما يُعرَف بـ"مقاومة الإنسولين"، التي تسبِّب بقاء مستويات السكر في الدم مرتفعة.
والنوم الجيد يحافظ على حساسية الإنسولين والتمثيل الغذائي عمومًا، فهل يمكِن تحسين حساسية الإنسولين بالنوم المتواصل للرجال؟ وما عدد ساعات النوم المثالية لتحقيق ذلك؟
ما هي حساسية الإنسولين؟
حساسية الإنسولين باختصار هي مدى قدرة جسمك على الاستجابة بفاعلية للإنسولين، وهو الهرمون الذي ينظِّم مستويات السكر في الدم، فعندما تتناول الطعام، يهضم جسمك الكربوهيدرات إلى جزيئات الجلوكوز "السكر"، الذي يدخل مجرى الدم، ثُمّ يُفرِز البنكرياس هرمون الإنسولين، لنقل جزيئات السكر إلى الخلايا لاستخدامه لإنتاج الطاقة، ما يؤدِّي بالتبعية إلى خفْض مستويات السكر في الدم.
مقاومة الإنسولين
أمّا إذا انخفضت حساسية الإنسولين، بمعنى أنّ خلايا الجسم باتت أقل استجابة لإشارات الإنسولين، فإنّ جزيئات السكر تظل في الدم لفترةٍ أطول مما ينبغي، ومِنْ ثمّ ترتفع مستويات السكر في الدم.
لذا يحاول البنكرياس مواجهة ذلك بإفراز مزيد من الإنسولين لخفض نسبة السكر في الدم، لكن ذلك يؤدي في النهاية إلى ارتفاع مستويات الإنسولين في الدم، مع عدم قدرة الخلايا على الاستجابة للإنسولين كما ينبغي، ما يؤدي إلى مقاومة الإنسولين أو انخفاض حساسية الإنسولين، الذي قد يُسهِم بمرور الوقت في الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
كيف يؤثر النوم على الإنسولين عند الرجال؟
عادةً ما ترتفع مستويات السكر في الدم أثناء النوم، في الفترة بين الساعة 4 إلى 8 صباحًا، لشخصٍ لديه جدول نوم طبيعي، حسب "Webmd".
وفي الشخص السليم، يتعامل الإنسولين مع هذه الزيادة بإخبار خلايا العضلات والدهون والكبد، بامتصاص السكر من الدم، ما يحافظ على استقرار مستويات السكر في الدم.
أمّا عند المُصابِين بداء السكري أو من المحتمل أن يُصابُوا به، لا يستطيع الإنسولين إتمام هذه المهمة جيدًا، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.
اقرأ أيضًا: رجيم مقاومة الإنسولين.. تعرف على فعاليته في إنقاص الوزن
دور النوم العميق في تحسين حساسية الإنسولين للرجال
تُعدّ قلة النوم من عوامل خطر الإصابة بارتفاع مستويات السكر في الدم، حسب دراسةٍ نشرت عام 2005 في دورية "Journal of Applied Physiology".
بل يمكن حتى للحرمان الجزئي من النوم لمدة ليلة واحدة أن يزيد من مقاومة الإنسولين، ما يؤدِّي بدوره إلى زيادة مستويات السكر في الدم، ومِنْ ثمّ فقد ارتبطت قلة النوم بالإصابة بمرض السكري.
كذلك يمكِن للحرمان من النوم أن يكون مرتبطًا بمرض السكري من خلال:
- زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ومِنْ ثمّ زيادة مستويات السكر في الدم.
- انخفاض حساسية الإنسولين.
- زيادة الالتهاب والإجهاد التأكسدي.
- زيادة مستويات بروتين سي التفاعلي، بما قد يؤثِّر في مستويات السكر في الدم.
أيضًا ربطت مراجعة لعديد من الدراسات، نشِرت عام 2025 في دورية "Diabetology & Metabolic Syndrome"، بين اضطرابات النوم وانخفاض حساسية الإنسولين.
لذا فإنّ النوم العميق، والحصول على عدد ساعات النوم المثالي، قد يساعد على زيادة حساسية الإنسولين، والسيطرة على مستويات السكر في الدم.
عدد ساعات النوم المثالية لصحة التمثيل الغذائي للرجال
يُنصَح البالغون عمومًا بالنوم 7 - 9 ساعات كل ليلة، فهذا هو عدد الساعات المثالي، لضمان عمل وظائف الجسم على أفضل وجه، بما في ذلك التمثيل الغذائي وإفراز الهرمونات، خاصةً أنّ قلة النوم ليست مرتبطة بانخفاض حساسية الإنسولين فحسب، بل أيضًا بأمراض أخرى، مثل أمراض القلب أو زيادة الوزن أو الاكتئاب أو غيرها.
أثر زيادة السكر في الدم على النوم عند الرجال
كما تتأثّر مستويات السكر في الدم بجودة النوم، فإنّ مستويات السكر ذاتها أيضًا مؤثِّرة في جودة النوم، فقد بيّنت دراسة نشرت عام 2015 في دورية "PLOS One"، أُجريت على أشخاصٍ مُصابين بداء السكري من النوع الثاني، أنّ من لديهم مستويات أعلى من السكر في الدم يُعانُون قلة النوم.
كما وجدت دراسة أخرى نشرت عام 2019 في دورية "Psychoneuroendocrinology"، أنّ 62% من الأشخاص لديهم مستويات السكر في نطاق مقدِّمات السكري (مرحلة تسبق مرض السكري)، أكثر عُرضةً لقلِّة النوم، مقارنةً بـ46% من الأشخاص الذين لديهم مستويات سكرٍ طبيعية.
ولا يعرف الباحثون سبب ارتباط قلة النوم بارتفاع مستويات السكر في الدم، لكن لا تزال هناك حاجة إلى مزيدٍ من الدراسات لفهم العلاقة بشكلٍ أفضل.
استراتيجيات تحسين حساسية الإنسولين بالنوم المتواصل للرجال
يمكِن تحسين حساسية الإنسولين بالحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، لكنّ النوم الجيّد قد لا يكون سهل المنال، لذا فيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على التمتّع بنومٍ عميق كل ليلة:
1. ضع جدول نوم منتظم:
حاوِل أن تنام وتستيقظ في موعدٍ ثابت كل يوم، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع، فهذا يساعد على تنظيم إيقاع الساعة البيولوجية، بما يساعدك على النوم جيدًا كل ليلة.
اقرأ أيضًا: دراسة حديثة ربطته بالخصوبة: السكر الطفيف قد يكون العدو الخفي للرجال
2. تهيئة بيئة مثالية للنوم:
يتحقّق ذلك بالنوم في غرفة مظلمة هادئة، درجة حرارتها مناسبة تتراوح بين 18 - 20 درجة مئوية، كما يمكنك استخدام سدادات الأذن حال وجود ضوضاء مزعجة، أو الاستماع إلى الضوضاء البيضاء للمساعدة على النوم.
3. تقليل التعرّض إلى الشاشات قبل النوم:
تنبعث من الشاشات الإلكترونية، مثل التليفزيون، الهواتف، الأجهزة اللوحية، أجهزة الكمبيوتر، ضوءًا أزرقًا، يؤثِّر في إنتاج هرمون النوم "الميلاتونين"، لذا حاول أن تتجنّب النظر إلى الشاشات قبل النوم بساعةٍ على الأقل.
4. حدد روتين استرخاء قبل النوم:
كي تتفادى الأرق، والتقلّب طويلًا في الفراش قبل النوم، حاول أن تجعل لك روتينًا للاسترخاء، يتضمّن قراءة كتابٍ مثلًا أو أخذ حمامٍ دافئ أو أي شيءٍ يساعدك على الاسترخاء، للدخول في النوم بسهولة.
5. تجنُّب المُنبِّهات:
مثل القهوة أو الشاي أو النيكوتين؛ إذ يُنصَح بتجنّب تناولها قبل النوم ببضع ساعاتٍ على الأقل، كي لا تمنعك من النوم.
اقرأ أيضًا: كيف يساعد المغنسيوم في تحسين مستويات السكر لمرضى السكري؟
6. مارس النشاط البدني:
تساعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام على النوم سريعًا وبشكلٍ صحي، لكن لا ينبغي ممارسة التمارين المكثّفة بالقرب من وقت النوم، وإلّا فقد تُسبِّب تأثيرًا عكسيًا، بل فكِّر في ممارستها خلال النهار.
7. مراقبة النظام الغذائي:
يُنصَح أيضًا بتجنّب تناول الوجبات الكبيرة أو الأطعمة الثقيلة أو الحارة أو المشروبات السكرية أو الحلويات بالقرب من وقت النوم، فقد تسبّب الإحساس بعدم الراحة في البطن وعدم القدرة على النوم بسهولة.
متى يحتاج الرجل مراجعة طبيب مختص بالنوم؟
إذا لم تنجح النصائح السابقة في مساعدتك على التمتّع بنومٍ جيد، أو كُنت تواجِه صعوبة في الدخول في النوم أو البقاء نائمًا، أو لم تكُن تحصل على جودة أو عدد ساعات النوم المطلوبة، أو كُنت تعانِي أي نوع من اضطرابات النوم، مثل انقطاع التنفّس في أثناء النوم، فقد تكون بحاجةٍ إلى استشارة طبيب مُختص بالنوم.
