د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : كيف "تتحاور" القردة؟!
سجل العلماء دليلًا موثقًا بالصوت والصورة كشف لنا أن قرود "المارموست" يشبهون البشر في إحدى أهم خصال التحاور، وهي فضيلة "تبادل الأدوار" في حواراتهم. ذلك أن "تبادل الأدوار" هو جزء أصيل في أي حوار إنساني، ففي غيابه تتداخل الأصوات، وتضيع المعلومات وسط ضجيج الكلام.
رغم أن الشامبانزي هو الأقرب إلى البشر من حيث التكوين، فإنه يستخدم أكثر لغة الإشارة في التواصل، مقارنة بقرود المارموست الصغيرة. وتبين للعلماء أن تلك القرود الصغيرة حينما حِيل بينها وبين أقرانها بستائر حاجبة لاحظ العلماء أنها صارت تنادي بعضها بنداءات يفهمها الطرف الآخر رغم أنه لا يمكنها رؤية بعضها! والأعجب أن القرد كان ينتظر بأدب لنحو خمس ثوانٍ قبل أن يعيد النداء مجددًا، وهو تمامًا ما يحدث مع البشر. وهذا ما يسميه العلماء بـ"القواعد غير المنطوقة لآداب المحادثة"، وفق تقرير لبي بي سي.
في علم تحليل الخطاب (Discourse Analysis) وتحليل المحادثة (Conversation Analysis)، يُنظر إلى تبادل الأدوار (Turn-Taking) على أنه النظام غير المكتوب الذي يحدد متى يتكلم الشخص ومتى يصمت ليصغي إليه الآخر.
وهناك عناصر تشير إلى أننا حاليًّا نتبادل الحوار بأسلوب حضاري، وذلك حينما نصدر إشارات لفظية مثل "أها"، "ممم"، أو عبارات إنهاء الجملة. وتختلف مدة الصمت عند تداول الحوار تبعًا لثقافة البلد أو الجماعة، فهناك من تطول فيها المدة فيشعر المستمع بالراحة والتأكد من أن محدثه قد توقف فعليًّا ليمنحه فرصة الكلام. ونجد ذلك جليًّا في الثقافة الإنجليزية التي تشعرك بالأريحية عند مخاطبة الآخرين. في حين توجد ثقافات يكون زمن الصمت بين الكلام برهة أو أجزاء من الثانية وهو ما يتطلب وعيًا وسرعة من المستمع لاستيعاب أن من يكلمه يمنحه فرصة التعليق أو الرد، وإذا ما لم يستجب سيواصل المتحدث كلامه.
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : خروجٌ عن المألوف أم إثارة للجدل؟
بصورة عامة، يمكن القول إن وظائف تبادل الحوار، تنظم كلامنا وتمنع الفوضى والتحدث في وقت واحد. كما تُظهر الاحترام، فمجرد الإنصات يعبر عن الاعتراف بحق الطرف الآخر في الكلام. ويعد تداول الكلام أساسًا جوهريًا في السماح بتراكم الأفكار بصورة تدريجية ومفهومة، ما يُيَسّر الفهم المشترك والوصول إلى أفكار وحلول متكاملة فضلًا عن إمكانية حل النزاعات أو اتخاذ القرارات المناسبة.
إذا غابت فضيلة تبادل الكلام تعذر نقل المعرفة، وضعف التواصل، وتلاشى دفء البعد الاجتماعي الذي يوطد علاقاتنا الإنسانية.
عندما ندرك أن قرودًا صغيرة قادرة على الالتزام بالانتظار والصمت احتراما لحق الآخر بالرد، ندرك أننا كبشر أولى بهذا السلوك الحضاري. فنحن في الواقع لا ننتظر فحسب بل نحاول أن نستشعر نبرة الصوت والعاطفة ونجتهد في فهم ما وراء الكلمات.
