د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : كيف تسمع "ماكينزي"؟
اكتشفت ألمع شركات الاستشارات الإدارية "ماكينزي" أن الآذان الصاغية أكثر وقعا وقربًا من الموظفين من الاستبيانات المملة والمطولة. بعد أن اجتاح فيروس كورونا العالم، عام 2020، تباعد الناس وعاشوا في وحدة غير مسبوقة، وكذلك حدث لنحو 40 ألف موظف من موظفي ماكينزي الموزعين في 140 مكتبًا حول العالم. من هنا جاءت فكرة الإصغاء للموظفين ولكن بطريقة منهجية ومستدامة عبر ما أطلق عليه "استبيان نبضي أسبوعي" ليجس "نبض" مشاعر الموظفين، ويقيس احتياجاتهم المتغيرة بشكل دائم، لتشكل هذه المعلومات الأسبوعية القيمة حجر الزاوية في فهم ماذا يدور في وجدان الموظفين وعقولهم.
وكانت جلسة "الفضفضة" عن بعد عبارة عن سؤالين أو ثلاثة مثل كيف تشعر؟ (ووضعوا لها إجابات متعددة)، وتعليق حر لشرح الأسباب، إن وجدت، وسؤال إضافي عند الحاجة حول موضوعات مثل "التوازن الحياتي" أو "التطوير المهني". ثم جمع كبار المستشارين حصيلة هذه البيانات، وتم دمجها مع معلومات عن الموظف بعد إخفاء هويته لاعتبارات الخصوصية والسرية، ثم حُللت باستخدام تقنيات تحليل متقدمة مثل معالجة اللغة وتحليل البيانات السلوكية والديموغرافية.
كانت النتيجة رائعة، إذ صار في مقدور القياديين في أشهر شركة استشارات أن يعرفوا ماذا يجري في أروقتهم حول العالم، وصاروا يقدمون إلى المسؤولين معلومات عن موظفيهم وفرق عملهم، ومعنوياتهم ما إذا كانت مرتفعة أم منخفضة في هذا الأسبوع. كما يمكن أن يربط المحللون تلك البيانات بالقرارات الإدارية لقياس وقعها على متلقيها والمؤسسة ككل.
والناظر إلى تلك البيانات يدرك أن المحللين يمكنهم أن يقيسوا بسهولة مشاعر الموظفين في إدارة محددة ثم يقارنوها بالمعدل العام في بلد ما أو في سائر البلدان التي تعمل بها ماكينزي. فتخيل لو أن كل شركة كبرى قامت بجلسات استماع عن بعد يدون فيها كل فرد رأيه ومشاعره أسبوعيًّا في بضع ثوانٍ أو دقائق، فكم من المعلومات يمكن أن تفيدنا في قياس ردود أفعال الناس تجاه القرارات الجوهرية، وتلك التي تؤثر على معنوياتهم وحماستهم ورضاهم.
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : تعاطف معي ولا تُشفِق علي!
كما تمكنت ماكنزي من إعداد نظام داخلي متكامل يربط النتائج بالبيانات التشغيلية، ويحوّل الآراء إلى قرارات مفيدة. وتمكنت أيضًا من تحقيق نتائج محددة بعد هذه التجربة تمثلت في تعديل سياسات العمل الهجين (عن بعد وحضوريًّا) بناء على آراء العاملين، وتحسين برامج التدريب والتوجيه، وإطلاق مبادرات تعزيز الصحة النفسية، وغيرها.
كما صارت ترسل إلى المديرين تنبيهات نصف شهرية تحذرهم من مشكلات في فرق عمل مثل العمل المفرط أو العزلة، والحاجة إلى تدخل سريع من قبلهم عبر حوارات بناءة بشأن أمور معينة.
ما فعلته ماكنزي يستحق أن تقدم عليه كل مؤسسة عبر جلسات منهجية مستمرة لا تتوقف أبدًا، لتجس نبض المشكلات قبل أن تكبر، "فمعظم النار من مستصغر الشرر".
