د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : خروجٌ عن المألوف أم إثارة للجدل؟
حينما تضعف حجة الفرد يقول إن كلام فلان استفزازي، رغم أنه لم يعبر سوى عن رأيه بصراحة. في حواراتنا كلمات تنم عن مشاعرنا تجاه ما يتناهى إلى أسماعنا. فهناك في الواقع من "يثير الجدل"، وهناك من يتعمد "الخروج عن المألوف" لغايات نبيلة. شتان بين إثارة الجدل بموضوعات خلافية controversial والخروج عن المألوف في أطروحاتنا provocative.
فهناك نقاشات معمقة ومثيرة تخرج عن السائد، لتدفعنا نحو إعادة النظر في مسلماتنا. ومنها الحوارات الثرية والكتب الرصينة والدراسات والمقالات التي تثير النقاشات البناءة. قرأت كتابًا إنجليزيًّا شائقًا بعنوان "لماذا يُتقن الألمان فعل الأشياء؟ لمؤلفه "جون كامبفنر" وصفته صحيفة التايمز اللندنية بأنه "ممتاز ومثير أو خارج عن المألوف" (Provocative) وذلك في سياق المدح والدعوة لقراءته وتأمله.
على الجانب الآخر هناك ما يولد انقسامًا واضحًا في الآراء بين مؤيد ومعارض. قد تكون نيته عدم إثارة الجدل لكنه في الواقع يثير حفيظة الناس وسجالاتهم عندما يطرح ما يستفزهم. مثل قانون تقييد الحريات أو الدفاع عن شخصية سياسية متطرفة. هذه الأمور تثير لغطًا وجدلًا واسعًا.
بعض القضايا الحساسة التي تثير الجدل تخرج عن نطاق السيطرة إذا تسرعنا في طرحها لعامة الناس مثل رفع الضرائب أو حرية المعتقد وغيرها، خصوصًا إذا جاءت في توقيت غير مناسب أو بأسلوب أقرب إلى الاستفزازية.
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» : كيف تسمع "ماكينزي"؟
ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد الشخص يفرق بين جدية إثارة موضوع جدلي وبين تعمد استفزاز العالم. بعض الاستفزازيين سلوكهم نابعٌ من طباعهم أو نشأتهم في بيئة تتحدث بهذا الأسلوب.
الحكمة من الحوار تصحيح مفاهيم، أو توصيل معلومة، أو بث مشاعر وأفكار، وآراء، وحقائق، ومنه أيضًا محاولة إعادة النظر في البديهيات والقناعات. ولذا لا بُد من التفريق بين المقاصد النبيلة وبين تعمد الإثارة والجدل. الأولى تدفعنا للتأمل والاستفادة والثانية تستهلك جل طاقتنا في نقاشات عقيمة.
