تغيير جذري في الطب.. هل يحمي هرمون التستوستيرون من سرطان البروستاتا؟
على مدى أكثر من ثمانية عقود، اعتبر الأطباء أن هرمون التستوستيرون هو المحرك الأساسي لنمو سرطان البروستاتا، لكن الأبحاث الحديثة بحسب ما أورده موقع The Conversation أثبتت أن هذا الاعتقاد لم يعد دقيقًا، بل إن التستوستيرون قد يكون آمنًا وفعالًا في بعض السياقات العلاجية.
فالبروستاتا، وهي الغدة الصغيرة الواقعة أسفل المثانة والمسؤولة عن إنتاج السائل المنوي، تعتمد بشكل جوهري على التستوستيرون لأداء وظائفها الطبيعية، إذ تحتوي خلاياها جميعًا على مستقبلات أندروجينية تنشط بمجرد ارتباط الهرمون بها، ما يوضح مدى تأثيره المباشر في نمو وعمل هذه الغدة.
نموذج التشبع في هرمون التستوستيرون لسرطان البروستاتا
يعود الاعتقاد السائد إلى أبحاث تشارلز هيغنز الحائز على جائزة نوبل في الأربعينيات، الذي لاحظ تصغُّر الأورام عند خفض مستويات الهرمون وزيادة نموها عند إضافته.
أصبح خفض التستوستيرون أو "العلاج بحرمان الأندروجين" العلاج القياسي للسرطان المتقدّم، مما منع عقودًا استخدام العلاج الاستبدالي للنقص الهرموني خوفًا من إثارة السرطان.
تحدّى طبيب المسالك البولية أبراهام مورغنتالر من هارفارد هذا الاعتقاد، مشيرًا إلى أن الرجال ذوي التستوستيرون المنخفض جدًا يصابون بسرطان أكثر عدوانية، بينما لم يرتفع معدّل الإصابة لدى من يتلقّون العلاج.
اقترح "نموذج التشبع" الذي يفسّر أن أنسجة البروستاتا حساسة للتستوستيرون فقط عند مستويات منخفضة جدًا، وبمجرد تشبع المستقبلات لا يؤثِّر الهرمون الإضافي.
أظهرت دراسة موثوقة نشرت في مجلة "الصحة العالمية للرجال" أن علاج نقص التستوستيرون لا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، بل إن الأبحاث طويلة الأمد تشير إلى انخفاض معدلات المرض لدى الرجال الذين تتم مراقبة مستوياتهم بدقة.
ويكمن التفسير في طبيعة استجابة الخلايا السرطانية؛ فعند انخفاض الهرمون إلى مستويات متدنية للغاية، تتكيف هذه الخلايا لتصبح شديدة الحساسية لأي إشارة هرمونية، وهو ما يؤدي إلى تطور "سرطان البروستاتا المقاوم للإخصاء" الذي يستمر في التقدم رغم غياب التستوستيرون تقريبًا.
في المقابل، قد تؤدي المستويات الأعلى من الهرمون إلى إبطاء نمو هذه الخلايا أو حتى تحفيز موتها في بعض الحالات، مما يفتح آفاقًا علاجية جديدة.
علاجات جديدة تستخدم التستوستيرون كسلاح
شهد العلاج تطوُّرًا مذهلاً، حيث يُعاد إعطاء التستوستيرون لمرضى السّرطان بعد العلاج الأوّلي دون زيادة خطر العودة. أكثر إثارة "العلاج بالأندروجين ثنائي القطب" الذي يُبدِّل بين مستويات منخفضة وعالية لإرباك الخلايا السرطانية وإبادتها.
عقدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في 10 ديسمبر جلسة خبراء لمراجعة التحذيرات القديمة، مشيرة إلى تحوُّل الأدلّة العلمية.
رغم ذلك، يظل العلاج بحرمان الأندروجين فعّالًا للسرطان النشط المبكِّر، مما يخلق مفارقة حُلَّت بفهم تفاعل الخلايا المعقِّد. اليوم، يُشجَّع الرجال ذوو النقص الحقيقي على الفحص الطبِّي الدقيق والمتابعة المنتظمة للاستفادة من خيارات علاجيّة آمنة تحسِّن الصحّة العامّة.
