متلازمة شارل بونيه.. عندما ترى أشياء غير موجودة حقًّا
هل تخيّلت من قبل أنّك ترى أجسامًا أو أشخاصًا أو حتى مشاهد طبيعية كجبال أو أشجار، لكنّها غير موجودة في الواقع؟
ليس ذلك بسبب اضطراب نفسي، كالفصام، الذي قد يرى المصاب به أوهامًا، وإنّما نتيجة لضعف أو فقدان البصر، والذي يسبب تلك الهلاوس البصرية، فيما يُعرَف بـ"متلازمة شارل بونيه"، فلماذا تحدث تلك الهلوسة البصرية؟ وهل يمكِن استعادة الرؤية الطبيعية من جديد أم أن الأوان قد فات؟
متلازمة شارل بونيه
متلازمة شارل بونيه هي متلازمة تُصِيب الأشخاص الذين يُعانُون ضعف البصر؛ إذ يتعرّضون أيضًا لهلوسة بصرية، التي قد تكون بسيطة، مثل رؤية أنماط ذات ألوان زاهية فوق كل ما تراه، أو قد تكون أكثر تعقيدًا، مثل رؤية حيوانات أو مبانٍ أو أشخاص غير موجودِين بالواقع من حولك.
من هو شارل بونيه؟
شارل بونيه (1720 - 1792)، هو عالِم طبيعة وفيلسوف سويسري، وكان جدّه المُسن "تشارلز لولين" يُعانِي هلوسة بصرية؛ إذ كانت رؤيته تتدهور على مدار السنوات، لكن صحته كانت جيدة ولم يكُن يعانِي أي مشكلات بالصحة العقلية.
وأدرك "شارل بونيه" أنّ الهلوسة البصرية الناجمة عن أمراض العيون تختلف عن تلك الناجمة عن الأمراض العقلية، لذا سُمّيت حالة الهلوسة البصرية الناجِمة عن أمراض العيون أو فقدان البصر باسمه في ثلاثينيات القرن العشرين.
أسباب وآليات المتلازمة
بدايةً لنتعرّف إلى العين الصحيحة وكيف تبصِر، كي نفهم كيف تحدث متلازمة شارل بونيه، فعندما يكون بصرك صحيحًا، يدخل الضوء إلى العين، فتستقبله شبكية العين، التي تحوِّل أشعة الضوء تلك إلى رسائل بصرية، ترسِلها إلى الدماغ، حتى تتمكّن من رؤية ما تراه أمام عينك الآن.
وعندما يضعف بصر بعض الأشخاص بسبب بعض الأمراض، مثل:
- الضمور البقعي المرتبط بالعُمر.
- الجلوكوما (المياه الزرقاء).
- اعتلال الشبكية السكري.
فإنّ النظام البصري لا يعالِج الصور الجديدة التي تراها بعينك، ومن دون وصول معلومات مرئية عبر عينيك، يملأ الدماغ الفراغ الناجِم عن ذلك، ويختلق صورًا أو يسترجع صورًا مُخزّنة عنده لتراها، وهو ما يُسبِّب الهلوسة البصرية المصاحبة لمتلازمة شارل بونيه، حسب ما ذكرته الأكاديمية الأمريكية لطب العيون "AAO".
اقرأ أيضًا:عندما يتعاطف الجاني مع الضحية: متلازمة ليما!
من الفئة الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة شارل بونيه؟
قد يكون بعض الأشخاص أكثر عُرضةً لتلك المتلازمة مقارنةً بغيرهم، كما في حالة:
- بلوغ 80 عامًا من العُمر أو أكثر.
- فقدان البصر.
- العيش وحيدًا أو العزلة الاجتماعية.
- العيش في بيئة مظلمة.
أعراض متلازمة شارل بونيه
العرَض الرئيس لمتلازمة شارل بونيه هو الهلاوس البصرية، لكن هذه الهلاوس قد تظهر في صورٍ مختلفة، مثل:
- أنماط مكوّنة من خطوط أو أشكال تتكرّر، فهذه الصور قد تبدو مثل الطوب أو الشِباك.
- حيوانات خيالية، مثل وحيد القرن أو التنانين.
- مشاهد من الطبيعة، مثل الأشجار أو الشلالات أو الجبال.
- وجوه أُناس أو حتى الناس.
- حيوانات أو حشرات.
- أشخاص يرتدون ملابس كما لو كانوا يعيشون في الماضي.
أمّا خصائص هذه الصور التي قد يراها المُصاب بمتلازمة شارل بونيه، فقد تكون:
- ثابتة في مكان واحد أو متحركة.
- ملوّنة أو بالأبيض والأسود.
- بحجمها الحقيقي أو بحجم أصغر من المُعتاد.
- لطيفة بالنسبة للمُصاب أو مُخِيفة.
- نفس الصور في كل مرة تحدث فيها الهلاوس أو قد تتغيّر في كل مرة.
وحسب "Cleveland Clinic"، فإنَّ هذه الصور قد تستمر لفترات زمنية مختلفة؛ ثوانٍ أو دقائق أو ساعات، كما يدرِك معظم المصابين بمتلازمة شارل بونيه، أنّ ما يرونه ليس حقيقيًا، لكنّهم لا يستطيعون السيطرة على تلك الهلوسة.
هل يمكن أن تؤثر متلازمة شارل بونيه في الحياة اليومية؟
رغم أنّ المتلازمة لا تُسبِّب مضاعفات صحيّة عادةً، فإنّها قد تؤثِّر في الحياة اليومية للشخص، كالتالي:
1. صعوبة أداء الأنشطة اليومية:
قد تجعل الهلوسة البصرية الرؤية أصعب، وستتوقّف القدرة على أداء المهام اليومية المُعتادة على مدى قوة بصرك الحاليّة، ومدى تعقيد مشكلة البصر الموجودة.
2. الخوف من الهلوسة في البداية:
في البداية، قد لا يدرِك المرء ما إذا كان ما يراه حقيقيًا أم لا، وهذا قد يُسبِّب قلقًا في البداية إلى أن يعتاد الشخص حالته.
اقرأ أيضًا:كل ما تحتاج إلى معرفته عن متلازمة لازاروس: عندما ينبض القلب من جديد
كيف يمكن تشخيص متلازمة شارل بونيه؟
ليس هُناك اختبارٌ مُعيّن لتشخيص متلازمة شارل بونيه، لكن قد يناقِش الطبيب المريض بشأن الأمراض أو المشكلات الصحية التي يعانِيها حاليًا أو سابقًا، كما سيحاوِل استبعاد الأسباب الأخرى للهلاوس البصرية، بما في ذلك:
- تناول أدوية مُعيّنة.
- مشكلات الصحة العقلية، مثل الفصام.
- حالات عصبية أخرى قد تسبّب المشكلة، مثل مرض ألزهايمر ومرض باركنسون.
فإذا كان المرء مصابًا بفقدان البصر مع هلوسة بصرية دون وجود مشكلات أخرى نفسية أو عصبية أو تناول أدوية مُعيّنة، فغالبًا ما سيكون التشخيص بمتلازمة شارل بونيه.
هل يمكِن علاج متلازمة شارل بونيه؟
ليس هناك علاج نهائي لتلك المتلازمة، فقد جرّب الأطباء الأدوية لكنّها لم تنجح في إحداث التغيير المطلوب، لكن غالبًا ما تتحسّن الأعراض بمرور الوقت؛ ربّما لأنّ الدماغ يعتاد على تلقِّي عدد أقل من الصور لمعالجتها.
وفي معظم الحالات، تقلّ وتيرة الهلاوس البصرية بدرجةٍ كبيرة أو تتوقّف بعد سنةٍ إلى سنتَين.
كيف يمكن التعايُش مع متلازمة شارل بونيه؟
رغم الصعوبة الشديدة لعلاج متلازمة شارل بونيه، فثمّة بعض النصائح التي قد تُفِيد في تخفيف حدّة الأعراض، منها على سبيل المثال، حسب الأكاديمية الأمريكية لطب العيون:
1. التحدُّث بشأن ما تراه:
سواء كُنت تتحدّث إلى طبيبك أو صديقك أو أحد أفراد عائلتك، فإنّ وصْف ما تراه لشخصٍ ما، سيجعلك أقل شعورًا بالعُزلة، كما أنّ تذكير نفسك أو أحد أحبائك لك بأنّ تلك الهلوسة البصرية بسبب فقدان البصر، وليس نتيجة مشكلة في الصحة العقلية، يمكِن أن يكون مُطمئنًا.
2. تغيير البيئة:
قد تزداد الهلوسة البصرية في الإضاءة الخافتة أو حتى في الغُرف ساطعة الإضاءة، وهذا يختلف من شخصٍ لآخر، لكن أيًا كان ما يزيد تلك الهلاوس، فإنّ تغيير ظروف الإضاءة بالعكس، قد يساعد على تقليل تلاك الهلاوس البصرية.
فمثلًا إذا كانت تحدث الهلاوس البصرية في ضوءٍ خافت، فشغِّل المزيد من الأضواء أو افتح الستائر، أو إذا كانت تزيد مع الهدوء الشديد من حولك، فقد يساعدك تشغيل التليفزيون مثلًا أو تشغيل مقاطع فيديو عبر هاتفك الجوّال.
اقرأ أيضًا:متلازمة ماري أنطوانيت.. هل يعيد التوتر تشكيل ملامحنا؟
3. حرِّك عينيك:
يجد بعض الأشخاص أنّ التقنيات التالية لاستخدام العيون عند بدء الهلوسة البصرية، يمكِن أن تساعد على إيقافها:
- حرِّك عينيك لأعلى أو لأسفل أو من جانبٍ إلى آخر (دون تحريك رأسِك).
- انظر بعيدًا عن الهلوسة.
- التحديق في الهلوسة.
- أغمض عينيك ثُمّ افتحهما.
ويمكِن للشخص تجربة أي من هذه التقنيات، ويستمرّ على ما يساعده حقًا في التغلب على تلك الهلاوس البصرية.
4. الراحة والاسترخاء:
قد تزداد أعراض متلازمة شارل بونيه مع التعب والإجهاد، لذا تأكّد من حصولك على قسطٍ كاف من النوم، كما يُنصَح بممارسة أي نشاط من شأنه تخفيف القلق، مثل ممارسة التمارين الرياضية أو الذهاب في نزهة أو غير ذلك.
نصائح للوقاية من متلازمة شارل بونيه
لا يعلم الباحثون سبب المتلازمة بالتحديد، لكن قد يكون تقليل احتمالية الإصابة بها من خلال:
- علاج الأمراض التي قد تُسبِّب تدهور البصر، مثل مرض السكري، الذي قد يُسبّب لاحقًا اعتلال شبكية العين، فبالحفاظ على مستويات السكر في الدم طبيعية، تحمي عينيك لاحقًا.
- إجراء فحوصات منتظمة للعين، خاصةً مع تقدّم العُمر.
- زيارة طبيب العيون حال الشعُور بضعف أو فقدان البصر.
