عندما يتعاطف الجاني مع الضحية: متلازمة ليما!
اشتهرت متلازمة ستوكهولم بتعاطُف الضحية مع جلّاده أو من يؤذيه، لكن هل يمكن أن يحدث العكس؛ بمعنى أن يتعاطَف الجاني مع الضحية؟!
الإجابة: نعم، وقد وقع ذلك بالفعل فيما يُعرَف بـ"متلازمة ليما"، والتي يتعاطف فيها الجاني مع الضحية، والتي وُثِّقت لأول مرة في أزمة رهائن في بيرو عام 1996؛ إذ تشكّلت علاقة إيجابية من المختطِفين تجاه الرهائن، فما أسباب هذه الظاهرة الغريبة؟ وكيف يمكن للمرء أن ينقلب تمامًا لدرجة أن يتحوّل من مؤذٍ إلى شخصٍ يتعاطَف مع ضحيته، بل يسمح لها بالهروب من أذاه؟
متلازمة ليما متى ظهر المصطلح للمرة الأولى؟
متلازمة ليما باختصار هي استجابة نفسية، يُكوِّن بسببها الجاني أو الخاطِف علاقة إيجابية مع الضحية؛ إذ يصير متعاطفًا معه، وهي على النقيض من متلازمة ستوكهولم، التي يتعاطف فيها الضحية مع الجاني أو الخاطِف.
وقد اكتسبت "متلازمة ليما" هذا الاسم من مكان رصدها لأول مرة، أواخر عام 1996 في مدينة "ليما" بدولة "بيرو"؛ إذ تم القبض على عِدّة مئات من الضيوف في حفلٍ أقامه السفير الياباني، واحتُجزوا كرهائن.
وكثير من الرهائن كانوا دبلوماسيين رفيعي المستوى ومسؤولين حكوميين، بينما كان الخاطفون أعضاء في حركة "توباك أمارو" الثورية "MTRA"، التي كان مطلبها الرئيس هو إطلاق سراح أعضاء حركة "توباك أمارو" من السجن.
وقد أُطلِق سراح عدد من الرهائن في الشهر الأول من هذه الحادثة، وكان للعديد من هؤلاء الرهائن أهمية كبيرة، مما يجعل إطلاق سراحهم غير منطقي في سياق مطالب تلك الحركة.
لكن السر هو أنّ الخاطفين بدأوا يشعرون بالتعاطف مع الرهائن، بدلًا من متلازمة ستوكهولم التي حدث فيها العكس، وهذا التعاطف مع الرهائن سُمّي بـ"متلازمة ليما"، التي أدّت إلى تقليل احتمالية تعرّض الرهائن للأذى مع زيادة فرص إطلاق سراحهم أو السماح لهم بالهروب.
وانتهت أزمة الرهائن في نهاية المطاف في ربيع عام 1997، عندما تم إطلاق سراح الرهائن المتبقين خلال عملية قامت بها القوات الخاصة هناك.
ما العلامات التي تدلّ على الإصابة بمتلازمة ليما؟
بدايةً قد يكون المرء مصابًا بمتلازمة ليما عندما:
- يكون في موقف الخاطف أو المعتدي.
- يُكوِّن علاقة إيجابية مع الضحية أو الرهينة.
لكن العلاقة الإيجابية تحتمل العديد من أنواع المشاعر، فقد تضمّ مثلًا أيًا مما يلي أو مجموعة منها:
- التعاطف مع وضع الرهائن أو الضحايا.
- أن يصير الجاني أكثر انتباها لاحتياجات الرهائن أو رغباتهم.
- تنمية مشاعر التعلّق أو الإعجاب أو حتى المودّة تجاه الرهائن.
ما الأسباب المحتملة وراء تعاطف الجاني مع الضحية في متلازمة ليما؟
لا تزال متلازمة ليما مجهولة، ولم تُجرَ أبحاث حول أسبابها إلّا قليلًا جدًا، فكثيرٌ من المعروف عنها هو ما سُجِّل في أزمة الرهائن، التي سُمّيت متلازمة ليما على اسمها.
وبعد الأزمة، قيّم فريق طبي المتورّطين من أعضاء حركة "توباك أمارو"؛ إذ تبيّن أنّ العديد منهم طوّروا شكلًا من أشكال الارتباط مع الرهائن، بل حتى إنّ بعضهم قال إنّهم يرغبون في الالتحاق بالمدرسة في اليابان في المستقبل!
كما لاحظ الفريق الطبي بعض الخصائص والسمات على المتورّطين:
- كونهم شبابًا: كثيرٌ من أعضاء الحركة المتورّطين في أزمة الرهائن كانوا مراهقين أو شبابًا.
- المُعتقَدات: لم يكُن لدى العديد من الخاطِفين سوى قدر ضئيل من المعرفة بالقضايا السياسية الفعلية وراء العملية، وبدا أنهم شاركوا فيها أكثر من أجل تحقيق مكاسب مالية.
ومن خلال ذلك، يتضح أنّ الأفراد الذين أُصِيبوا بمتلازمة ليما، قد تكون إصابتهم بذلك بسبب أنّهم أصغر سنًا أو أقل خبرة أو يفتقرون إلى قناعاتٍ قويّة.
وإلى جانب تلك الصفات، قد يكون لعوامل أخرى دور في حدوث المتلازمة، مثل:
1. الأُلفة:
قد تُسهِم إقامة علاقة ودية مع الخاطف في تكوين رابطة إيجابية معه، والعديد من الرهائن في أزمة ليما، كانوا دبلوماسيين لديهم خبرة في التواصل والتفاوض، ومِنْ ثَمّ فقد يكونوا قد نجحوا في إنشاء نوع من الود والصلة مع الخاطفين، مما أدّى إلى تعاطفهم معهم.
2. المدة الزمنية:
كُلّما قضيت وقتًا أطول مع شخص ما، زادت الألفة بينك وبينه غالبًا، ومِنْ ثمَّ فقد يكون قضاء الخاطفين فترة طويلة مع الرهائن سببًا لنمو العلاقة وتشكيل التعاطف، لكن من غير المُرجّح أن يكون هذا قد أسهم في أزمة ليما؛ إذ أُطلِق سراح العديد من الرهائن في وقتٍ مبكر.
اقرأ أيضًا: متلازمة القلب المنكسر تقتل الرجال بمعدل الضعف رغم شيوعها بين النساء
متلازمة ليما vs متلازمة ستوكهولم
في متلازمة ستوكهولم، يُطوِّر الضحية مشاعر إيجابية تجاه الخاطِف أو المؤذِي، على عكس متلازمة ليما، وحسب "Healthline"، يُعتقَد أنّ متلازمة ستوكهولم، قد تكون آلية للتكيّف لمساعدة شخص ما على معالجة وضعه وقبوله خلال فترة الصدمة التي يتعرّض لها.
كما أنّ هناك سمات مميّزة مرتبطة بنشوء متلازمة ستوكهولم، وهي عندما:
- يعتقد المرء أنّ هناك تهديدًا لحياته سيتم تنفيذه بالفعل.
- يستشعر المرء قيمة عالية لبعض الأعمال اللطيفة الصغيرة من خاطِفه أو المُعتدِي عليه.
- يكون الشخص معزولًا عن وجهات النظر الأخرى التي يتبنّاها المؤذي أو المُعتدَى عليه.
- لا يظنّ أنّ باستطاعته الهرب من وضعه الحاليّ.
وهناك الكثير من الأبحاث والمعلومات المتوافرة عن متلازمة ستوكهولم، بخلاف متلازمة ليما، كما لا تقتصر متلازمة ستوكهولم على وضعية "الخاطِف والرهائن"، بل قد تنشأ أيضًا في مواقف، مثل:
- العلاقات المؤذية، سواء كان الأذى الواقع في تلك العلاقات نفسيًا أو جسديًا.
- إساءة معاملة الأطفال؛ إذ قد تنشأ رابطة بين المُعتدِي والطفل لها تأثيران متناقضان؛ إذ يستمرّ المعتدِي في سلوكه المسيء للطفل بسبب التعلق العاطفي للطفل به، وحتى بعد توقّف الإساءة، قد يحمي الطفل نفسه من عودة الإساءة من خلال إنكار الفعل أو تبريره أو الشعور بالذنب تجاه المسيء.
ورغم ملاحظة متلازمة ليما في سيناريو "الخاطِف والرهائن"، فلا يُعلَم ما إذا كانت تنشأ أيضًا في العلاقات المؤذية أو مع إساءة معاملة الأطفال أو غير ذلك من مواقف مرتبطة بمتلازمة ستوكهولم.
حالات شهيرة لمتلازمة ليما
ثمّة حالات شهيرة لمتلازمة ليما، غير أزمة الرهائن في بيرو، مثل:
1. قصة الجميلة والوحش Beauty and the Beast
في تلك القصة، تم أسْر شخصية "بيل" من قبل الوحش انتقامًا لتعدّي والدها على ممتلكات الغير (تختلف التفاصيل بين الإصدارات المختلفة للقصة، لكن هذه نقطة مركزية فيها).
وفي البداية كان الوحش قاسيًا معها وحبسها في غرفة بالقلعة، وكانت "بيل" لديها مشاعر سلبية واستياء تجاه الوحش، وبمرور الوقت، بدأ الوحش يتعاطف مع محنة "بيل" كسجينة، وسمح لها بالحرية داخل أراضي القلعة.
وعندما مرض والد "بيل"، طلبت من الوحش السماح لها بالمغادرة حتى تتمكّن من رعاية والدها المريض، والوحش الذي يتعاطف معها، وقد سمح لها بالفعل بمغادرة القلعة والعودة إلى المنزل!
2. حالة حقيقية في الهند
أيضًا تم توثيق مثال لمتلازمة ليما في مقال نشر في صحيفة "Vice"، حول العلاقة الإيجابية التي تشكّلت بين رجل في ولاية "أوتار براديش" بالهند وخاطفيه.
لكنّها في الواقع مثال على متلازمة ليما ومتلازمة ستوكهولم معًا؛ إذ بدأ الرجل الذي تم خطفه في التعاطف مع قِيم ومبادئ خاطفيه، كما بدأ الخاطفون في معاملته بلُطف، وفي النهاية أطلقوا سراحه وأعادوه إلى قريته.
