متلازمة ماري أنطوانيت.. هل يعيد التوتر تشكيل ملامحنا؟
يزحف الشعر الأبيض ويحلّ مكان الشعر الداكن رويدًا رويدًا مع تقدّم العمر، لكن أن يشيب الشعر فجأة دون مُقدّمات، فإن الأمر يبدو غريبًا وغير منطقي، ولكنّه حدث بالفعل مع ملكة فرنسا الشهيرة ماري أنطوانيت، التي ابيضّ شعرها فجأة قبل إعدامها إبان الثورة الفرنسية، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تعرض بعض الناجين منها إلى ذلك الابيضاض المفاجئ للشعر، والذي عُرف بـ"متلازمة ماري أنطوانيت"، فلماذا يحدث ذلك؟ وهل يمكن للتوتر الشديد أو الصدمات النفسية أن تغيّر لون الشعر فجأة؟
متلازمة ماري أنطوانيت
متلازمة ماري أنطوانيت هي متلازمة نادرة وغريبة؛ إذ يتغيّر لون الشعر فجأة إلى اللون الأبيض بسبب التوتر الشديد أو الصدمات النفسية، وهو أمر مختلف تمامًا عن شيب الشعر الذي يظهر تدريجيًا مع تقدّم العُمر.
وقد سُمّيت المتلازمة بهذا الاسم نسبة إلى الملكة الفرنسية الشهيرة ماري أنطوانيت، التي تغيّر شعرها فجأة إلى اللون الأبيض قبل إعدامها عام 1793، وكانت تبلغ من العُمر عند وفاتها 37 عامًا تقريبًا.
ورغم عدم معرفة الباحثين سبب حدوث تلك المتلازمة على وجه الدقة، إلا أنهم يعتقدون أنّ الضغوطات النفسية أو العاطفية الشديدة هي السبب، فقد تتأثّر الخلايا الصبغية، المسؤولة عن لون الشعر على أثر هذه الضغوطات، مما قد يجعل الشعر يفقد لونه.
ما أسباب متلازمة ماري أنطوانيت؟
يُعتقَد أنّ متلازمة ماري أنطوانيت ناجمة بصفةٍ رئيسة عن اضطراب المناعة الذاتية؛ إذ يهاجِم الجسم الخلايا الصحيحة فيه، وفي حالة هذه المتلازمة وما يشبهها، فإنّ الجسم يتوقّف عن إنتاج الميلانين الطبيعي للشعر، المسؤول عن لون الشعر، ما يؤدي إلى تغيّر لون الشعر إلى الأبيض أو الرمادي.
ومع ذلك فإن هُناك أسبابًا مختلفة لشيب الشعر، قد يُخلَط بينها وبين متلازمة ماري أنطوانيت، مثل:
1. الثعلبة البقعية:
هي بالأساس إحدى أسباب الصلع؛ إذ يتوقّف نمو الشعر الجديد، وقد يسقط الشعر الموجود بالفعل، وإذا كان هناك شعر أبيض أو رمادي مسبقًا، فإنّ البقع الصلعاء في الرأس قد تجعل هذا الشعر الأبيض أو الرمادي أكثر ظهورًا.
وهذا قد يُعطِي انطباعًا بأنّ الشعر قد ابيضّ فجأة، لكن التغيير الذي حدث أنّه صار أكثر وضوحًا فقط، ومع تلقّي العلاج ونموّ شعر جديد، قد لا يكون الشعر الأبيض بارزًا حينها.
2. الجينات:
قد تزداد فُرص الشيب المبكر للشعر إذا كان هناك تاريخ عائلي سابق، خاصةً أنّ بعض الجينات قد تُسهِم في حدوث ذلك، مثل جين "IRF4"، حسب "Mayo Clinic".
اقرأ أيضًا:هل يؤدي ارتداء القبعات إلى تساقط الشعر؟
3. التغيُّرات الهرمونية:
من ضمن الأسباب أيضًا التغيرات الهرمونية سواء كانت المرتبطة بمشكلات الغدة الدرقية أو انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون، أو بلوغ سن اليأس عند السيدات، ففي تلك الحالة قد يساعد علاج الاضطرابات الهرمونية في منع ابيضاض مزيد من الشعر.
4. نقص العناصر الغذائية:
تحديدًا نقص فيتامين ب12، ويمكن استعادة لون الشعر إذا كان رماديًا بسبب نقص العناصر الغذائية، بالحصول على ما يكفي من هذا الفيتامين، لكن قد يتطلّب معرفة نقص فيتامين ب12 إجراء اختبارات الدم لتحديد مستويات فيتامين ب12 في الدم أولًا.
5. البهاق:
أحد أمراض المناعة الذاتية، ويتسبَّب في فقدان صبغة أو لون البشرة، ومِنْ ثَمّ وجود بُقع بيضاء بها، وهذا التأثير قد يمتدّ للشعر أيضًا، فيفقد صبغته، ويتغيّر إلى اللون الأبيض أو الرمادي.
والبهاق من الأمراض التي يصعب علاجها، ومع تلقِّي العلاج اللازم، قد يستعيد الجسم صبغته الطبيعية، ومِنْ ثَمّ فقد ينحسر الشعر الرمادي أو الأبيض بعض الشيء بمرور الوقت.
متلازمة ماري أنطوانيت من منظور الدراسات
ليست هناك أبحاث واضحة حول تغيّر الشعر المفاجئ للون الأبيض، ومع ذلك فهناك قصص تاريخية أخرى غير الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت، فقد شهدت شخصيات أخرى شهيرة تغيّرات مفاجئة في لون الشعر، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أيضًا توماس مور، الذي قِيل أن شعره قد ابيضّ فجأة قبل إعدامه عام 1535.
من ناحيةٍ أخرى، أشار تقرير نُشِر عام 2009 في "أرشيفات الأمراض الجلدية Archives of Dermatology"، إلى روايات الشهود عن ابيضاض الشعر المفاجئ لدى ناجين من القصف في الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، فلا يُوجَد بحث حتى الآن يؤكّد إمكانية فقدان لون الشعر بين عشية وضحاها، باستثناء مقال منشور عام 2008 في دورية "Journal of The Royal Society of Medicine"، استند إلى الروايات التاريخية حول الشعر الأبيض المفاجئ، ما يجعل متلازمة ماري أنطوانيت لغزًا يصعب تفسيره حتى هذه اللحظة.
اقرأ أيضًا:منعًا للشيخوخة المبكرة.. 6 طرق للوقاية من شيب الشعر وزيادة "الميلانين"
نصائح للوقاية من شيب الشعر المبكر
سواء كان من الممكن أن يشيب الشعر فجأة أو تدريجيًا، مبكرًا أو في خريف العُمر، فهذه بعض النصائح التي قد تساعد على تأخير شيب الشعر:
1. تقليل التوتر:
ربّما كان التوتر والصدمات النفسية البطل في الروايات التاريخية التي شهدت ابيضاض الشعر فجأة، لكن عمومًا التوتر قد يُسرِّع الشيخوخة، ويجعل الشعر يشيب قبل أوانه، حسب دراسةٍ نشرت عام 2020 في مجلة "International Journal of Trichology".
كما أنّ التوتر المُزمن قد يؤدي إلى التهاب مزمن، قد يعطِّل عمل الخلايا المُنتِجة للميلانين المسؤول عن لون الشعر، كما قد يجعل دورة نمو الشعر أقصر، حسب بحث نُشِر عام 2021 في دورية "Biological Reviews".
لذا فإنّ تخفيف التوتر قد يكون ضروريًا لإبطاء شيب الشعر، وذلك من خلال:
- التنفّس العميق.
- استنشاق الهواء خارج المنزل.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- تناول طعام صحي، كالفواكه والخضراوات.
- التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
2. تحسين النظام الغذائي:
قد تساعد بعض أنواع الطعام على تخفيف الالتهابات وحماية الخلايا المسؤولة عن صبغة الشعر، خاصةً الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة، كالفواكه والخضراوات.
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ بعض الأطعمة قد تُحفّز الالتهابات في الجسم، مثل الأطعمة المُصنَّعة والدهون المشبعة والسكريات، مما قد يُسهِم في تسارُع شيب الشعر، لذا يُفضّل تجنّب الطعام غير الصحي، وتفضيل الفواكه والخضراوات الغنية بمضادات الأكسدة، مثل التوت والسبانخ وغيرها.
3. الحصول على ما يكفي من المعادن والفيتامينات:
قد يُسهِم نقص بعض المعادن والفيتامينات في الشيب المبكر للشعر، لذا احرص على الحصول على ما يكفي جسمك من معادن وفيتامينات، خاصةً فيتامين د 3 وفيتامين ب12، بالإضافة إلى:
- فيتامين هـ.
- فيتامين أ.
- الزنك.
- النحاس.
- السيلينيوم.
- المغنيسيوم.
ويُفضّل الحصول عليها من الطعام بدلًا من المكملات الغذائية، إلّا إذا كان هناك نقص واضح في بعض العناصر الغذائية أو كان من الصعب الحصول على ما يكفي منها عبر الطعام وحده.
4. الفحص الدوري:
قد تتسبَّب بعض الأمراض في شيب الشعر المبكر، مثل أمراض القلب وأمراض المناعة الذاتية، حسب مراجعة نشرت عام 2024 في "International Journal of Dermatology"، لذا فإنّ الفحص الدوري قد يكون ضروريًا لكشف الأمراض قبل أن تتفاقم، وعلاجها سريعًا، كي لا تؤثر في لون شعرك، والأهم كي لا تضرّ صحتك.
