كل ما تحتاج إلى معرفته عن متلازمة لازاروس: عندما ينبض القلب من جديد
حتى إذا فارق القلب الجسد، يستمرّ في النبض لفترة من الوقت، ولكن إن مات الجسد، مات القلب معه، حيث لا يتدفّق الدم في أنحاء الجسم كما كان طوال عهده.
ومع ذلك، هناك من الأشخاص من تستعيد قلوبهم نبضها فجأة بعد توقّفها، وربّما حتى بعد إعلان مفارقتهم للحياة، في ظاهرةٍ نادرةٍ تُعرَف بـ"متلازمة لازاروس"، فهل يعود القلب إلى الحياة حقًا؟ وما أسباب هذه الظاهرة الفريدة؟
متلازمة لازاروس
"متلازمة لازاروس"، هي ظاهرة نادرة تحدث بعد إعلان وفاة الشخص؛ إذ فجأة يستعيد القلب قدرته على ضخّ الدم تلقائيًا، ويبدو كأنّما المرء قد عاد إلى الحياة لتوّه، بعد فشل الإنعاش القلبي الرئوي "CPR" في استعادة عمل القلب، ومع ذلك لا ينجو أغلب الناس حتى بعد هذه الاستعادة القصيرة لنبض القلب وتدفّق الدم.
كيف يعود القلب للعمل بعد إعلان الوفاة؟
لتقريب الصورة، دعنا نبدأ منذ لحظة توقّف القلب عن العمل؛ إذ يبدأ بعدها التدخّل من خلال الإنعاش القلبي الرئوي، في محاولة لاستعادة قدرة القلب على النبض من جديد، لكنّه يخفِق في ذلك، ومِنْ ثَمّ يُعلِن الأطباء وفاة المريض، خاصةً مع غياب العلامات الأخرى الدالّة على الحياة.
لكن بعد ذلك بدقائق أو حتى ساعات، قد يلاحِظ بعض مُقدِّمي الرعاية الصحية علامات تُوحِي بأنّ الحياة قد دبّت فجأة فيمن أُعلن وفاته للتوّ، وهذه العلامات قد تكون حركات أو حتى مؤشّرات على التنفّس مثلًا، فيستنتج الأطباء أنّ الدورة الدموية قد عادت من جديد.
التفسيرات العلمية لهذه الظاهرة النادرة
لا يدري الأطباء سبب حدوث ظاهرة لازاروس، لكن ثمّة بعض النظريات المُفسِّرة لتلك الظاهرة، مثل:
1. حبس الهواء في الرئتين:
تُشِير إحدى النظريات إلى أنّ الإنعاش القلبي الرئوي، يدفع بسُرعة كميات كبيرة من الهواء إلى الرئتين، مما يؤدّي إلى تضخّمها بشكلٍ مفرط، أي أنّ هناك كثيرًا من الهواء في الرئتين، لكن ليس هناك ما يكفي من الوقت أو الجهد لطرده من خلال آلية الزفير، ومِنْ ثَمّ يزداد الضغط في الصدر عمومًا.
هذا الضغط المرتفع يقيّد كمية الدم التي يمكن أن تتدفّق من وإلى القلب، وعندما يتوقّف الإنعاش القلبي الرئوي، ينخفض هذا الضغط، ويمكن أن يتدفّق الدم مرة أخرى.
هُنا تظهر متلازمة لازاروس؛ إذ يؤدي هذا إلى استئناف الدورة الدموية، لكن لفترةٍ وجيزةٍ فقط في كثيرٍ من الأحيان.
اقرأ أيضًا:متلازمة ماري أنطوانيت.. هل يعيد التوتر تشكيل ملامحنا؟
2. تأخّر وصول الدواء وفاعليته:
تحتاج بعض الأدوية المُستخدَمة خلال الإنعاش القلبي الرئوي إلى الوصول إلى القلب كي يعمل، لكن حبس الهواء، يمنع الدم من العودة إلى القلب كما يجب، ومِنْ ثَمّ فإنّ أي دواءٍ محمول في الدم، أُعطي بالحقن الوريدي، قد لا يصل إلى القلب.
ومع توقّف الإنعاش القلبي الرئوي، وإطلاق سراح الهواء المحبوس، وعودة سريان الدم ولو مؤقتًا من وإلى القلب، فإنّ الأدوية التي كانت عالقة في مجرى الدم، تحطّ رحالها في القلب، ولو كانت لا تزال محتفظة بفاعليتها، فستُؤدِّي إلى نشاط القلب وتدفّق الدم.
3. توقّف القلب مؤقتًا بعد الصدمة الكهربائية له:
قد يلجأ الأطباء خلال الإنعاش القلبي الرئوي إلى استخدام جهاز مزيل للرجفان، يصعق القلب بصدمة كهربائية في محاولة لإعادة عمله من جديد، أو علاج عدم انتظام ضرباته واستعادة إيقاعه الطبيعي.
وأحيانًا يكون هناك تأخير بين الصدمة الكهربائية التي تلقّاها القلب ووقوع تأثيرها، وإن كان هذا التأخير لمدة طويلة بما فيه الكفاية، فقد يظهر أنّ الدورة الدموية عادت من نفسها تلقائيًا، وليس بسبب الصدمة الكهربائية.
4. أسباب أخرى لمتلازمة لازاروس:
قد تتسبّب بعض المشكلات، مثل ارتفاع البوتاسيوم أو زيادة الأحماض في الدم في توقّف القلب عن النبض.
وعادةً ما تُعالَج مثل هذه المشكلات في أثناء الإنعاش القلبي الرئوي، لكن قد يستغرق التخلّص منها بعض الوقت، فإذا لم تتحسن حالة المريض إلّا بعد توقّف الإنعاش القلبي الرئوي، فقد يبدو الأمر وكأنّ الدورة الدموية عادت تلقائيًا.
متى ينبض القلب من جديد بعد مفارقة الحياة؟
ليس هناك وقت مُحدّد يستعيد خلاله القلب النبض من جديد بعد مفارقة الحياة، حسب ظاهرة لازاروس، لكن طبقًا للحالات الواردة، حسب "Cleveland Clinic"، فإنَّ علامات الحياة ربما يمكن ملاحظتها في غضون 10 دقائق من الانتهاء من الإنعاش القلبي الرئوي، وربّما يستغرق ذلك وقتًا أطول.
اقرأ أيضًا:متلازمة الميزوفونيا.. لماذا قد تزعجك أصوات مضغ الطعام؟
أشهر الحالات الطبية لمتلازمة لازاروس حول العالم
لم توثِّق الأدبيات الطبية سوى 65 حالة من عام 1982 إلى عام 2018، ومن بين هؤلاء تعافى 18 شخصًا بالكامل فقط، لكن يعتقد الباحثون أنّ ظاهرة لازاروس أكثر شيوعًا من هذه الأرقام المُؤثّقة، لكنّهم لا يعلمون تحديدًا مدى شيوع هذه الظاهرة أو من الأكثر عُرضةً للإصابة بها.
ومن بين الحالات المعروفة، كان معظم الأشخاص (68%) يبلغون أكثر من 60 عامًا.
ومن الحالات التي تصدّرت بعض عناوين الأخبار:
- أُعلن عن وفاة امرأة تبلغ من العُمر 20 عامًا في ديترويت بعد 30 دقيقة من الإنعاش القلبي الرئوي، ولمّا نُقلت إلى دار الجنازة، اكتشف الموظّفون أنّها تتنفّس، وقد تم علاجها في المستشفى، لكنّها توفيت بعد شهرين.
- في ولاية أوهايو، انهار رجل يبلغ من العُمر 37 عامًا في منزله، وفي المستشفى، توقّف قلبه، وأُعلنت وفاته على الرغم من إجراء الإنعاش القلبي الرئوي لمدة 45 دقيقة، وبعد عدّة دقائق، لاحظت عائلته أنّ جهاز المراقبة الخاصّ به أظهر إيقاعًا للقلب، وبعد مرور أسبوع، أصبح في حالة جيّدة بما يكفي للعودة إلى المنزل.
كيف يمكن تجنّب متلازمة لازاروس؟
يظلّ المرء متعلّقًا بأمل ولو ضئيل في عدم مفارقة احبائه للحياة، وربّما يظنُّ أنّ أحدهم قد عاد إلى الحياة أو أنّ الطبيب أخطأ التشخيص وأعلن الوفاة قبل الأوان، بسبب متلازمة لازاروس، لكن سُرعان ما تخمد شرارة الأمل بعد اشتعالها؛ إذ غالبًا لا ينجو المرء حتى لو استعاد القلب نبضه هذه الفترة الوجيزة، ولتجنّب هذه الظاهرة، يُنصَح مقدِّمي الرعاية الصحية بما يلي:
- إجراء الإنعاش القلبي الرئوي لمدة 20 دقيقة.
- تجنّب التضخّم المفرط للرئتين في أثناء الإنعاش القلبي الرئوي، من خلال عدم تجاوز 12 نفسًا تُعطَى للمريض بحدٍ أقصى في الدقيقة الواحدة.
- عدم إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي مباشرةً بعد صدمة القلب كهربائيًا (فهذا قد يسبب توقّف انقباض القلب مؤقتًا).
- استمرار مراقبة المريض بلا توقّف لمدة 10 دقائق بعد انتهاء الإنعاش القلبي الرئوي قبل إعلان الوفاة.
