القلق الاجتماعي والأمعاء: دراسة جديدة تكشف العلاقة البيولوجية المفاجئة
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Journal of Affective Disorders، أن اضطراب القلق الاجتماعي قد تكون له جذور بيولوجية في الأمعاء، إذ بينت التجارب الأولية أن نقل بكتيريا الأمعاء من مراهقين يعانون الاضطراب إلى كائنات حية في بيئة مخبرية، تسبب في ظهور سلوكيات تشبه أعراض القلق الاجتماعي لدى الإنسان.
ويُعد القلق الاجتماعي أحد أكثر اضطرابات القلق انتشارًا، ويظهر غالبًا في سن المراهقة على شكل خوف شديد من المواقف الاجتماعية أو من نظرات الآخرين.
ورغم وجود علاجات دوائية ونفسية له، فإنها لا تنجح مع جميع المرضى، مما دفع العلماء للبحث عن أسباب أعمق داخل الجسم.
التأثير البيولوجي للقلق
قاد البحث فريق علمي من جامعة جياو تونغ شنغهاي برئاسة الدكتورة "جينغ هونغ تشن"، وبمشاركة الباحث "جونيو لاي"، الذي أوضح أن الفكرة جاءت من دراسات سابقة ربطت بكتيريا الأمعاء باضطرابات مثل التوحّد والاكتئاب.
وسعى الفريق العلمي لاختبار فرضية غير تقليدية، مفادها أن بكتيريا الأمعاء قد تكون عاملاً في ظهور القلق الاجتماعي.
وللتحقق من ذلك، أجرى الباحثون تجارب أولية زرعوا فيها البكتيريا المأخوذة من 40 مراهقًا مصابين بالقلق الاجتماعي، و32 آخرين يتمتعون بصحة جيدة، بهدف دراسة تأثير هذه الميكروبات في بيئة خاضعة للرقابة منذ مراحل النمو الأولى وحتى مرحلة النضج.
واختار العلماء هذه الطريقة لأن مرحلة النمو لدى الكائنات التجريبية تشبه إلى حدٍ كبير تطور الدماغ عند البشر في سن المراهقة، كما حرصوا على تجنب استخدام المضادات الحيوية حتى لا تؤثر على النتائج، إذ يمكن أن تُسبّب القلق بحد ذاتها.
وبعد أسابيع من المتابعة، لاحظ الباحثون أن الكائنات التي استُخدمت في التجارب الأولية، وأُدخلت إليها بكتيريا من المراهقين المصابين بالقلق الاجتماعي، أصبحت أكثر توترًا وتجنّبًا للمساحات المفتوحة، كذلك، بدت أقل اهتمامًا بالتواصل والتفاعل داخل بيئتها مقارنةً بالمجموعة السليمة.
عند تحليل أدمغة الكائنات المستخدمة في الاختبارات، وتحديدًا المنطقة المسؤولة عن التحكم في المشاعر والتفاعل الاجتماعي المعروفة باسم قشرة الفص الجبهي الإنسي، وجد العلماء تغيرات في بعض المواد الكيميائية الحيوية، مثل الأحماض الأمينية ومركبات الكوليسترول.
كما لاحظ الفريق انخفاضًا في نوع من بكتيريا الأمعاء يُدعى Parasutterella، وارتفاعًا في نوع آخر يسمى Prevotella لدى الأفراد المصابين، ما يشير إلى وجود توازن بكتيري مضطرب يمكن أن يؤثر في الإشارات العصبية المتبادلة بين الأمعاء والدماغ، في ما يعرف بمحور الأمعاء-الدماغ.
وقال الباحثون: "إن أهم ما توصلنا إليه هو أن القلق الاجتماعي لا يرتبط فقط بالحالة النفسية، بل له أساس بيولوجي في الأمعاء يمكن تتبعه وقياسه".
وأضافوا أن الخطوة المقبلة هي تحديد البكتيريا أو المواد الدقيقة المسؤولة عن هذه التأثيرات، بهدف تطوير علاجات جديدة تركز على تحسين صحة الميكروبيوم، بدلاً من الاعتماد فقط على الأدوية النفسية.
