الحركة دواء طبيعي.. كيف تساعد الرياضة على مقاومة الألم؟
كشفت دراسة علمية واسعة، أجراها باحثون من جامعات بريطانية منها أكسفورد وبلايموث، أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام قد تكون وسيلة فعالة لزيادة تحمّل الألم وتقليل تأثيره على الحياة اليومية، وهو ما يُعد تحولًا مهمًا في فهم العلاقة بين النشاط البدني والجهاز العصبي.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة PLoS ONE، شملت أكثر من 10 آلاف مشارك بالغ، وامتدت على مدى ثماني سنوات كاملة. قام الباحثون بقياس مدى قدرة المشاركين على تحمّل الألم من خلال اختبار الغمر في الماء المثلج، حيث طُلب من كل شخص إبقاء يده مغمورة في الماء البارد لأطول فترة ممكنة، مع تقييم مستوى الألم على مقياس رقمي.
فوائد النشاط البدني
أظهرت النتائج أن الأفراد الذين مارسوا نشاطًا بدنيًا منتظمًا — سواء من خلال الجري أو التمارين الهوائية أو تمارين القوة والمرونة — تمكنوا من تحمل الألم لفترات أطول بنحو 20 ثانية إضافية مقارنة بمن يعيشون حياة أكثر خمولاً.
وأوضحت البيانات أن التمارين المنتظمة تُحفّز استجابة عصبية ترفع من قدرة الجسم على التكيّف مع الألم، مما يجعل الأشخاص النشطين أكثر صلابة أمام الألم المزمن أو الإصابات. كما لاحظ الباحثون أن أولئك الذين زادوا مستوى نشاطهم البدني بمرور الوقت شهدوا تحسنًا تدريجيًا في قدرتهم على تحمّل الألم.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تُظهر “اتجاه استجابة جرعة واضح” — أي كلما زاد معدل النشاط البدني، زاد تحمّل الألم.
هل تعالج التمارين الألم؟
يُعاني ملايين الأشخاص حول العالم من آلام مزمنة ناجمة عن أمراض مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والألم العضلي الليفي، وإصابات الحبل الشوكي، إضافة إلى آلام الظهر المزمنة. وتشير أبحاث سابقة إلى أن التمارين الرياضية المنتظمة، مثل اليوغا والبيلاتس وتمارين التوازن، تساهم في تحسين الدورة الدموية، وتخفيف التوتر العضلي، وتحفيز إفراز الإندورفين، وهو الهرمون المعروف باسم “مسكن الألم الطبيعي”.
وأظهرت دراسات موازية شملت أكثر من 37 ألف مشارك حول العالم أن برامج التمارين المختلفة — بما في ذلك المشي، وتمارين المرونة، والتدريب الهوائي — حسّنت من جودة الحياة ومستوى الراحة الجسدية والنفسية لدى المصابين بآلام مزمنة.
ورغم أن الدراسة الجديدة اعتمدت على تقييم ذاتي لمستوى النشاط البدني، وهو ما قد يحدّ من دقتها، فإن اتساع عيّنتها واستمراريتها الزمنية يجعل نتائجها ذات قيمة عملية كبيرة، ويقول الباحثون إن الرسالة الأساسية واضحة: “كلما تحركت أكثر، أصبح جسدك أكثر استعدادًا لتحمّل الألم”.
اقرأ أيضا: كيف تساعدك تمارين التنفس على تهدئة القلق وتحسين المزاج؟
من منظور طبي، يرى الخبراء أن هذه النتائج تدعم الاتجاه العالمي نحو استخدام النشاط البدني كأداة علاجية في إدارة الألم المزمن، بدلًا من الاعتماد المفرط على المسكنات والأدوية.
وبالنسبة للأفراد، فإن حتى الأنشطة الخفيفة مثل المشي اليومي أو تمارين التمدد يمكن أن تُحدث فارقًا ملموسًا في قدرة الجسم على مقاومة الألم وتحسين الحالة النفسية.
فالحركة — كما تؤكد الدراسة — ليست فقط وسيلة للرشاقة، بل درع طبيعي ضد الألم، يمنح الجسد مرونة أكبر والعقل توازنًا أوضح، لتتحول الرياضة من نشاط بدني إلى علاج متكامل للبدن والذهن معًا.
