دراسة كندية تكشف بصمة بصرية لاضطراب فرط الحركة باستخدام الذكاء الاصطناعي
في خطوة علمية غير مسبوقة، تمكن باحثون كنديون من الكشف عن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) باستخدام الذكاء الاصطناعي، عبر تحليل إيقاعات بصرية مميزة تُظهر كيف يعالج الدماغ المعلومات عبر الزمن.
نشرت النتائج في مجلة PLOS One العلمية، مشيرةً إلى أن الخوارزمية المستخدمة استطاعت تصنيف الأفراد المصابين بالاضطراب بدقة تجاوزت 91%، ما يفتح الباب أمام ثورة جديدة في تشخيص الحالات العصبية دون الحاجة إلى فحوصات طويلة أو تقييمات سلوكية معقدة.
استخدام الذكاء الاصطناعي ف الطب
اعتمد الباحثون على تقنية تُسمى "أخذ العينات الزمنية العشوائية"، وهي أسلوب مبتكر لتتبّع كيفية معالجة الأشخاص للمعلومات البصرية خلال فترات زمنية قصيرة جدًا. وخلال التجارب، عُرضت على المشاركين كلمات قصيرة وسط ضوضاء بصرية متغيرة على شاشة لمدة 200 ملّي ثانية فقط، وطُلب منهم قراءتها بصوت مرتفع.
اقرأ أيضا: دراسة: علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يخفض الحوادث والجريمة
من خلال تحليل استجاباتهم عبر خوارزميات تعلم آلي، استطاع العلماء تحديد أنماط إدراكية خاصة بالمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تختلف بوضوح عن الأفراد الطبيعيين، خصوصًا في ترددات تتراوح بين 5 و15 هرتز، ما يشير إلى اختلافات جوهرية في طريقة عمل الدماغ لديهم.
قال البروفيسور مارتن أرجوين، مؤلف الدراسة ومدير مختبر الرؤية العصبية المعرفية بجامعة مونتريال: "في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، يبدو أن هناك تباعدًا في الوظيفة البصرية عن الأفراد الطبيعيين، وهو اختلاف يعكس خللاً في التذبذبات العصبية الأساسية."
أظهر نموذج الذكاء الاصطناعي حساسية استثنائية، إذ بلغت دقته 91.8% في تصنيف الحالات و96% في التعرف الصحيح على المصابين، مقابل 87% دقة في تحديد الأفراد السليمين. كما تمكن من التمييز بين المرضى الذين يتناولون أدوية منشطة والذين لا يتناولونها بدقة 91.3%، ما يدل على أن الأدوية تؤثر على توقيت المعالجة البصرية في الدماغ.
أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
يُعد اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من أكثر الحالات العصبية شيوعًا، إذ يصيب نحو 3 إلى 4% من البالغين الكنديين وحوالي 2.6% من البالغين عالميًا، وتظهر أعراضه في قلة التركيز، وفرط النشاط، والاندفاعية.
عادةً ما يتطلب التشخيص اختبارات سلوكية ومقابلات مطولة، إلا أن هذه التقنية الجديدة قد تمثل نقلة نوعية نحو تشخيص موضوعي وسريع، قائم على قياس الاستجابة العصبية للإدراك البصري بدلاً من السلوك الظاهر.
ويعتقد الباحثون أن التذبذبات العصبية — وهي التغيرات الكهربائية الطبيعية في الدماغ — قد تكون بصمة مميزة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يمكن التقاطها من خلال هذا النهج البصري الدقيق.
تُعد هذه الدراسة خطوة أولى نحو تطوير اختبار سريري جديد لتشخيص الاضطراب عبر مهمة بصرية قصيرة. ويُجري الفريق حاليًا دراسة موسّعة على الأطفال بين 10 و14 عامًا لتأكيد النتائج، باعتبارهم الفئة التي يُطلب فيها التقييم الطبي عادة.
وقال أرجوين: "إذا أثبتت النتائج دقتها في الأعمار الصغيرة، فقد نكون على وشك تطوير أداة فحص سريعة ودقيقة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، دون الحاجة لانتظار طويل أو تكلفة مرتفعة."
وأضاف أن التقنية الجديدة قد تُقلّل الاعتماد على التقييمات السريرية المعقدة، وتُساعد على رصد الاضطراب في وقت مبكر، بما يتيح تدخلًا علاجيًا أكثر فاعلية.
رغم النتائج الواعدة، أقرّ الباحثون بأن حجم العينة لا يزال محدودًا، وأن الدراسات المستقبلية يجب أن تشمل فئات عمرية وثقافية متنوعة. كما أن العلاقة الدقيقة بين الإيقاعات البصرية والأنشطة العصبية لا تزال بحاجة إلى تأكيد باستخدام تقنيات تصوير الدماغ مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI).
ومع ذلك، تمثل هذه الدراسة علامة فارقة في توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب العصبي، إذ تُظهر أن الخوارزميات يمكنها "قراءة" الإدراك البشري بدقة مذهلة، وتفتح الباب أمام مستقبل تُصبح فيه التكنولوجيا شريكًا في التشخيص النفسي والعصبي.
