أربعون وما بعدها: دليلك لاستعادة التوازن وسط ضغوط الحياة
في منتصف العمر، يجد الرجل نفسه مُكبّلًا بمسؤوليات متشابكة، بين الاعتناء بأبنائه الذين يخطون نحو مرحلة الشباب، ورعاية والديه، وبين هذا وذاك ضغوط العمل ومتطلّبات الحياة المالية. وسط هذه الدائرة المرهقة، كيف تكون الحالة النفسية للرجل بعد سن الأربعين؟
غالبًا ما تكون مضطربة وغير مستقرة، إذ تشير الدراسات إلى أن الرجال بعد الأربعين يصبحون أكثر عرضةً للقلق والاكتئاب، أو حتى للاحتراق النفسي نتيجة تراكم الأعباء وتضاؤل الوقت المخصّص للراحة الذاتية.
فما أبرز الاستراتيجيات التي يمكن للرجل اعتمادها للحفاظ على توازنه النفسي في هذه المرحلة الحساسة من العمر؟
أبرز التحدّيات النفسية التي تواجه الرجل في هذه المرحلة
قد يواجه الرجل كثيرًا من المشكلات النفسية بعد سن الأربعين، خاصةً مع زيادة أعباء الحياة والمسؤوليات التي تتراكم يومًا بعد يوم. وفيما يلي أبرز التحدّيات النفسية خلال تلك المرحلة:
1. الاكتئاب
الاكتئاب من أشدّ المشكلات النفسية التي تواجه الرجال. فقد أشارت دراسة عام 2022، أجرتها منظمة أبحاث الصحة النفسية في كندا، إلى أن الأشخاص في الأربعينيات من عمرهم يُعانون معدلات اكتئاب أعلى من غيرهم.
ومن المرجّح أيضًا أن يكون للاكتئاب بعض الأعراض الإدراكية في الأربعينيات من العمر. صحيح أن العديد من الأشخاص يشهدون تلك الأعراض مع التقدّم في السن، لكن أظهرت دراسة عام 2021 في دورية "Journal of Psychiatric Research" أن تلك الأعراض تبلغ ذروتها في منتصف العمر (45 - 54 سنة).
2. اضطراب القلق العام
يتّسم اضطراب القلق العام بقلقٍ مفرطٍ لا يمكن للرجل التحكم به، سواء في ما يتعلق بالأحداث أو الأنشطة اليومية، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بأعراضٍ جسدية، مثل التعب وصعوبة النوم.
وقد أفادت دراسة عام 2022 أجرتها منظمة أبحاث الصحة النفسية في كندا، بأن 27% من الكنديين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و49 عامًا يُعانون القلق، مما يدلّ على أن اضطراب القلق أحد أبرز المشكلات النفسية بعد سن الأربعين.
3. التوتر
قد يبدو من المستحيل تجنّب التوتر في الأربعينيات من العمر، لأن الرجل يكون قلقًا بشأن مهنته، أسرته، أو التزاماته المتعدّدة.
ليست المشكلة فقط في التوتر بحد ذاته، بل في أن حدوثه في منتصف العمر يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة الدماغ مستقبلاً. فقد لاحظت دراسة دنماركية عام 2021 نُشرت في "Aging & Mental Health" أن التوتر الشديد في منتصف العمر عامل خطر للإصابة بالخرف، ما يجعل التعامل معه مبكرًا أمرًا ضروريًا لتجنّب تبعاته على المدى الطويل.
4. الاحتراق النفسي
الاحتراق النفسي هو حالة من الإرهاق العاطفي والجسدي والعقلي، تحدث عندما يتعرّض الرجل للتوتر المزمن نتيجة ضغوط العمل والمسؤوليات المتكررة. وتشير الإحصاءات الكندية إلى أن 27.5% من الأشخاص بين 40 و49 عامًا يشعرون بأن حياتهم مرهقة للغاية في معظم الأيام.
علامات اضطراب الصحة النفسية لدى الرجال بعد سن الأربعين
كما يتألّم الجسد عند المرض، تتألّم النفس كذلك مع الاضطرابات النفسية. ومن أبرز العلامات التي قد تشير إلى تدهور الصحة النفسية:
- تغيّر في أنماط النوم.
- تغيّرات في المزاج كالغضب أو سرعة الانفعال أو الحزن.
- مشكلات في الذاكرة.
- الصداع المزمن.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية المعتادة.
- فقدان أو زيادة مفاجئة في الوزن.
استراتيجيات الحفاظ على التوازن النفسي للرجل بعد سن الأربعين
رغم كل ما يحيط بالرجل في منتصف العمر من مسؤوليات وضغوط، يمكن لبعض الاستراتيجيات أن تعينه على المحافظة على توازنه النفسي وتحمل الأعباء بمرونة أكبر:
1. بناء الصلابة النفسية
تساعد بعض العادات اليومية على تنمية الاستقرار النفسي، مثل ممارسة الأنشطة المنتظمة، وتحديد الأولويات بوضوح، وتقليل إرهاق اتخاذ القرار. ومن أبرز الأساليب الفعالة:
- ابدأ يومك بنشاطٍ بدني بسيط كالمشي أو التمدّد لتحفيز طاقتك الداخلية.
- دوّن يوميًا ثلاثة أسباب تجعلك ممتنًا، فهذا يعزّز التفكير الإيجابي.
- مارس تقنيات التنفّس العميق مثل تمرين 4-7-8 لتهدئة التوتر.
- خذ فترات راحة قصيرة خلال اليوم لتجديد النشاط الذهني.
- قسّم أهدافك إلى خطواتٍ واقعية لتشعر بالإنجاز.
- عامل نفسك بلطف، فالتعاطف الذاتي يقوي المناعة النفسية ضد الضغوط.
2. تقليل التوتر
لا يمكن إلغاء التوتر بالكامل، لكنه يمكن السيطرة عليه من خلال الممارسات اليومية. تعرّف أولًا على المواقف التي تسببه ثم حاول تجنبها أو إعادة تفسيرها بمرونة.
- مارس هواياتك المفضلة لخلق توازن نفسي إيجابي.
- طبّق أساليب الاسترخاء كاليوغا أو التأمل أو التنفّس العميق.
- احرص على الخروج المنتظم من بيئة العمل لتجديد طاقتك.
- قضاء وقتٍ مع الحيوانات الأليفة يساعد في تخفيف الضغط العصبي.
- احرص على ممارسة رياضة منتظمة لتحريك الطاقة السلبية.
3. ممارسة التمارين الرياضية
تعزّز التمارين المنتظمة إفراز الإندورفينات، وهي هرمونات السعادة التي تحسّن المزاج وتقلّل القلق. كما تساهم في تنظيم هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.
- التمارين القلبية مثل المشي أو الدراجة الهوائية لتحسين اللياقة العامة.
- تمارين القوة التي تحفّز إفراز هرمون التستوستيرون وتحافظ على المزاج والاستقرار النفسي.
- السباحة أو التمارين منخفضة التأثير لتقليل الضغط على المفاصل.
4. النظام الغذائي الصحي
يسهم النظام الغذائي المتوازن بدورٍ رئيسي في دعم صحة الدماغ وتقليل التوتر. ومن الأغذية المفيدة:
- الأسماك الدهنية والمكسرات الغنية بأحماض أوميجا 3.
- الخضراوات الورقية الغنية بالمغنيسيوم.
- اللحوم البيضاء والبقوليات الغنية بفيتامينات ب.
- التوت والشوكولاتة الداكنة لاحتوائهما على مضادات الأكسدة.
5. الحصول على قسط كافٍ من النوم
النوم الجيّد ضرورة ذهنية وجسدية. الحرمان منه يزيد القلق ويضعف القدرة على التركيز. يُنصح بالنوم في مواعيد ثابتة داخل غرفة مظلمة وهادئة، وتجنّب الكافيين أو استخدام الهاتف قبل النوم بنصف ساعة.
