كيف يؤثر انعدام الوزن على الحواس الحركية؟ دراسة تكشف
كشفت دراسة علمية حديثة أن قدرة الإنسان على إدراك مواضع أطرافه — أو ما يعرف بالإحساس الحركي (Proprioception) — تتأثر بشكل ملحوظ في ظروف تغير الجاذبية، مثل تلك التي يختبرها رواد الفضاء أو خلال الرحلات الجوية البارابولية أو ما تعرف بـ "رحلات محاكاة انعدام الجاذبية".
وأوضح الباحثون أن بعض صور هذا الإحساس تضعف تحت تأثير انعدام الوزن، بينما تبقى صور أخرى أكثر استقرارًا، ما يشير إلى أن الجهاز العصبي يعتمد على أكثر من آلية واحدة لتحديد موقع الأطراف.
الإحساس الحركي، الذي يُطلق عليه أحيانًا “الحاسة السادسة”، هو القدرة الداخلية على إدراك وضعية وحركة الجسم دون الحاجة إلى النظر. ويعتمد على مستقبلات عصبية في العضلات والمفاصل، إلى جانب الجهاز الدهليزي في الأذن الداخلية المسؤول عن التوازن.
قاد الدراسة المنشورة في مجلة Experimental Brain Research ، فريق من جامعة موناش وفريق من المركز الألماني لبحوث الطيران والفضاء، حيث أجروا تجارب على 12 مشاركًا داخل طائرة مخصصة للرحلات البارابولية التي تحاكي انعدام الوزن لفترات قصيرة. خضع المشاركون لثلاثة اختبارات أساسية لقياس الإحساس الحركي:
مطابقة الذراعين: محاولة جعل الذراعين في وضع متماثل.
الإشارة بذراع واحدة: تحديد موقع الذراع المخفية باستخدام الذراع الأخرى.
إعادة التحديد من الذاكرة: تكرار وضعية سابقة للذراع بعد تحريكها.
كيف تؤثر الجاذبية على احساسنا بالأطراف
وخلال مراحل الجاذبية المختلفة (0G، 1G، 1.8G)، أظهرت النتائج أن طريقتي المطابقة والإشارة تأثرتا بشكل واضح، إذ زادت الأخطاء في حالة زيادة الجاذبية، بينما انخفضت نسبيًا في حالة انعدام الوزن. في المقابل، بقيت نتائج إعادة التحديد من الذاكرة مستقرة نسبيًا، ما يعكس اعتمادها على آليات إدراكية مركزية في الدماغ أكثر من اعتمادها على مستقبلات العضلات.
أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تفسر تقارير سابقة لرواد الفضاء الذين فقدوا الإحساس بمكان أذرعهم أثناء النوم في بيئة انعدام الوزن، إلى درجة أن بعضهم ظن أن ساعته تطفو في الهواء بينما كانت لا تزال مثبتة بمعصمه. مثل هذا الاضطراب قد يمثل تحديًا كبيرًا أثناء تشغيل المعدات المعقدة في الفضاء.
واقترح الفريق البحثي أن زيادة عزم المفصل عبر وسائل صناعية — مثل ارتداء بذلات مرنة تعزز شد المفاصل — قد يساعد في استعادة حس الوضعية في بيئات منخفضة الجاذبية. كما أن هذه النتائج قد تدفع إلى إعادة النظر في النظريات التقليدية التي تفترض أن مستقبلات العضلات وحدها هي المسؤولة عن إدراك الوضعية.
أوضح الباحثون إلى أن الدماغ ربما يستخدم أكثر من نظام واحد لتوليد الإحساس الحركي، يجمع بين إشارات حسية من العضلات وآليات ذاكرة إدراكية مستقلة. ورغم محدودية العينة بسبب طبيعة التجربة الجوية، فإن الدراسة تفتح آفاقًا جديدة لفهم كيف يعيد الدماغ تشكيل حواسنا في ظروف غير مألوفة، وما يمكن أن يعنيه ذلك لمستقبل السفر الفضائي.
