البيئة تشكل الأخلاق: دراسة عالمية تكشف الرابط بين الفقر والأنانية
كشفت دراسة حديثة أن البيئات الاجتماعية القاسية مثل الفقر، الفساد، عدم المساواة، والعنف، قد تعزز السمات السلبية في شخصية الإنسان، وتجعل الأفراد أكثر ميلًا إلى الأنانية، الاستغلال، أو التصرفات غير الأخلاقية.
نُشرت نتائج البحث في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، بعد تحليل قاعدة بيانات ضخمة تضم نحو 1.8 مليون مشارك من 183 دولة و144 ألف شخص من مختلف الولايات الأمريكية.
ارتباط وثيق بين البيئة والشخصية
ركزت الدراسة على ما يسمى بـ"سمات الشخصية المظلمة"، وهي مجموعة من الصفات التي تشمل النرجسية، السادية، الميول للسيطرة، واللامبالاة بمصالح الآخرين.
وخلص الباحثون إلى أن الأفراد الذين نشأوا في مجتمعات يسودها العنف أو الفساد، كانوا أكثر ميلًا إلى هذه السمات.
ويشير الخبراء إلى أن من يعيش في بيئة غير مستقرة، قد يتبنى قناعة أن "النجاة للأقوى" أو أن "خداع الآخرين وسيلة للبقاء".
قاد فريق من جامعة كوبنهاغن الدراسة، حيث قام الباحثون بربط مؤشرات الفساد، الفقر، العنف، وعدم المساواة خلال الفترة ما بين 2000 و2004 مع بيانات شخصية جُمعت بعد سنوات، لقياس تأثير البيئة الاجتماعية في المراحل العمرية المبكرة على الشخصية لاحقًا.
اقرأ أيضًا: كيف تحمي التوابل الملكية قلبك وتوازن سكر الدم؟ دراسة تجيب
الشخصية ليست نتاج العوامل الوراثية فقط
وبحسب الباحث الرئيسي إنغو زتلر من جامعة كوبنهاغن، فإن هذه النتائج تؤكد أن الشخصية ليست نتاج العوامل الوراثية فقط، بل تتأثر بشدة بالبيئة الاجتماعية، خصوصًا في فترة المراهقة وبداية الشباب.
وأوضح أن تحسين الظروف المعيشية، ومحاربة الفساد، والحد من العنف يمكن أن يسهم في خفض انتشار السلوكيات الأنانية أو الاستغلالية داخل المجتمعات.
ورغم الحجم الضخم للدراسة، أشار الباحثون إلى بعض القيود، مثل الاعتماد على عينات عبر الإنترنت قد لا تمثل بدقة جميع السكان، إضافة إلى احتمال نقص الدقة في بيانات بعض الدول حول معدلات الفساد أو العنف.
ومع ذلك، اعتبر الخبراء أن النتائج تقدم دليلاً قوياً على تأثير البيئة في تكوين السمات السلوكية، وتفتح الباب أمام أبحاث مستقبلية لفهم كيفية تفاعل الأوضاع الاجتماعية مع تطور الشخصية.
وبينما يرى العلماء أن هذه السمات قد تظهر بوضوح في المجتمعات غير المستقرة، فإن الرسالة الأهم من الدراسة هي أن تحسين البيئة الاجتماعية قد لا يقتصر أثره على رفاهية الناس، بل يمتد ليشمل تشكيل شخصيات أكثر توازنًا وتعاونًا في المستقبل.
