هل كنا مخطئين بشأن تطور عيون الإنسان؟ دراسة حديثة تُشكك في نظرية شائعة
لطالما ساد الاعتقاد بأن بياض العين البشري، أي المنطقة الصلبة المحيطة بالقزحية، تطوّر خصيصًا لتعزيز التواصل والتعاون بين البشر، فيما يُعرف بـ"فرضية العين التعاونية".
وتفترض هذه النظرية أن العين البيضاء تسهّل تتبع النظرات، ما يسهم في تحسين التفاعل الاجتماعي والتواصل غير اللفظي.
غير أن دراسة حديثة نُشرت في مجلة Biological Reviews، قادها الباحث خوان أولفيدو بيريا-غارسيا وفريق من جامعات أوروبية، طرحت شكوكًا جوهرية حول صحة هذه الفرضية.
وأوضح الباحثون أن الأدلة التي تستند إليها النظرية ضعيفة، وتعاني من مقارنات غير دقيقة بين البشر والرئيسيات الأخرى.
كما بيّنت الدراسة أن العديد من أنواع القرود تُظهر بياضًا حول القزحية بدرجات متفاوتة، في حين أن لون المنطقة الصلبة لدى البشر ليس موحّدًا كما يُعتقد، بل يشهد تباينًا ملحوظًا بين الأفراد، وهو ما يُضعف فكرة أن بياض العين سمة تطورية حصرية للبشر.
هل بياض العين صفة فريدة للبشر؟
وفق الدراسة، فإن الفرضية الكلاسيكية تتجاهل حقيقة أن بعض أنواع القرود، مثل اللنغور الذهبي ومكاك الذيل الخنزيري، تمتلك أيضًا مناطق فاتحة اللون حول القزحية، بدرجات تقارب ما لدى الإنسان.
حتى الشمبانزي، الذي يُعتقد أنه يمتلك "عيونًا مظلمة"، قد يظهر لديه بياض في المنطقة الصلبة تحت ظروف إضاءة معينة.
أما على مستوى البشر، فالصورة ليست موحدة كما تفترض الدراسات القديمة، فالكثير من الأشخاص من ذوي البشرة الداكنة يظهر لديهم تدرجات لونية واضحة في الصلبة، وقد تم توثيق هذا التنوع منذ عقود في الأدبيات الطبية، لكنه أُهمل في الأبحاث النفسية المؤيدة للفرضية.
كما تشير تجارب حديثة إلى أن القدرة على تتبع النظرات لا تتأثر كثيرًا بلون الصلبة، بل يمكن تحقيقها حتى في ظل وجود عيون مظلمة، ما يجعل فكرة "بياض العين كأداة تواصل" محل شك علمي واسع.
ما البدائل المقترحة لتفسير شكل العين البشري؟
تقترح الدراسة 3 فرضيات بديلة قد تُفسر تطور شكل العين البشرية بعيدًا عن فرضية التعاون:
- الحماية من الضوء: حيث تُشير فرضية "تنظيم الضوء" إلى أن العين الداكنة قد توفّر حماية من الأشعة فوق البنفسجية، وهو ما يفسر انتشار العيون المُصطبغة في المناطق الاستوائية.
- الانتخاب الجنسي: إذ يرتبط بياض العين بالشباب والصحة، وهما عاملان محوريان في اختيار الشريك، ما قد يجعل العيون الفاتحة ميزة جذابة تطورت بفعل التفضيلات الجمالية.
اقرأ أيضاً لماذا تصاب باحمرار العين المفاجئ؟
- تعزيز التعبير الوجهي: يرى بعض العلماء أن الشكل المرئي للعين يضخم الإشارات الاجتماعية، مثل التواصل البصري وتعابير الوجه، دون أن يكون تتبع النظرات الهدف الأساسي.
ويدعو الباحثون إلى تطوير أدوات قياس أدق لتصبغات العين بين البشر والقرود، والاستعانة بتقنيات وراثية لفهم تاريخ تطور هذا العضو المعقد.
كما يشددون على أهمية تنويع العينات البشرية في الأبحاث، لتشمل مختلف الأصول والسمات، وعدم الانجرار وراء فرضيات تبدو "بديهية" دون فحص علمي دقيق.
