هل العيون حقاً نافذة الروح؟
قيل إن العيون هي نافذة الروح، وهو توصيف ظهر في أكثر من حقبة تاريخية وعلى لسان أكثر من شخص بتعابير مختلفة، وإن كانت تتمحور حول الفكرة نفسها. شيشرون الكاتب والخطيب الروماني قال إن الوجه هو صورة عن العقل والعيون هي المترجم، أما الشخص الذي قال إن «العيون هي نافذة الروح» بشكلها الحرفي الدقيق فغير معروف على وجه الدقة، البعض يردّ القول إلى ثوماس فاير، والبعض الآخر يقول إنها تعود لوليام شكسبير، مقابل فئة تفضل نسبتها إلى مجهول واعتبارها مقولة قديمة.
وبغض النظر لمن يعود الفضل بصياغة التعبير المؤثر والعميق هذا، فهل هو صحيح؟
من الناحية الفلسفية يمكن القول بأنها صحيحة ولكننا سنحاول وضع المقولة هذه في إطار علمي ومحاولة اكتشاف ما إن كان العلم يدعم هذه المقولة أم يدحضها.
ولكن وبما أن الروح هي كيان خارق للطبيعة بطبيعة غير ملموسة ووفق الأديان هي مخلوقة من جنس لا نظير له في الوجود، فإن العلم لم يقترب لا من قريب أو بعيد من فهمها أو معرفة أي جزئية تتعلق بها. ولكن في المقابل الأديان تعتبر أن الروح هي الأساس للإدراك والوعي والشعور، وعليه فإن المقولة هذه بشكل أو بآخر تعني أن العيون هي نافذة النفس البشرية وخفاياها أي اللاوعي الخاص بنا.
العيون تهيمن على التواصل
عند النظر إلى وجوه الآخرين فإن العيون هي التي تهيمن على التواصل الاجتماعي بين البشر، فهناك قوة غريبة تجعل الشخص يركز على هاتين النافذتين وليس على أعضاء أخرى في الوجه.
البشر خلال مسار حياتهم الاجتماعية طوروا ما يعرف بـ «الوجوه الاجتماعية» وهذه الوجوه هي التعابير التي نظهرها في مناسبات مختلفة. مثلاً في المناسبات الحزينة هناك الوجوه الصارمة غير المبتسمة التي نحافظ عليها والعكس صحيح، وبالتالي بات لدينا لكل مناسبة اجتماعية وجه يليق بها. ولكن العيون لا تلتزم بهذه المعادلة فحين ننظر إلى وجوه الآخرين في محاولة للتواصل فعلياً معهم، فنحن لا نحدق بأي عضو من أعضاء الوجه بل بالعيون، وذلك لأنها تفرض وجودها وكأنها تقول: التواصل يحدث من خلالي فقط.
السبب في الواقع يرتبط بما هو بيولوجي إلى حد ما، فالعيون هي القناة الوحيدة لرؤية ما حولنا، وعليه التغييرات من حولنا تؤثر على الآلية التي نرى من خلالها، وهذا بدوره يظهر للآخرين ما الذي نفكر به أو نشعر به، وبما أنهم يعتمدون الآلية نفسها فالقنوات المشتركة هي التي تنشئ الاتصال والتواصل.
العيون نافذة لرؤية ما هو أبعد من بعضنا البعض
العيون لا تكذب، فهي وبشكل دائم تظهر الحقيقة بغض النظر عن تعابير الوجه. الطريقة الوحيدة لمعرفة شخص آخر بشكل جيد هي من خلال النظر في عيونه ومراقبة ردات فعله العاطفية.
العيون، حالها حال لغة الجسد، تكشف الكثير عنا وخصوصاً الأمور التي لا نريد كشفها. في الواقع غالبية المعلومات التي نكتشفها عن الآخرين هي من خلال كل ما هو غير لفظي.
عدد كبير من الدراسات أكدت بأنه حين نلتقي بشخص آخر للمرة الأولى فإن العيون تظهر مجموعة واسعة من المشاعر وهي الثقة أو عدم الثقة، الشعور بالأمان، الازدراء، الإعجاب، الرضا، النفور، الانجذاب، وغيرها الكثير. الأمر هذا يحدث وبشكل يومي وكأن الشخص يرتقي خارج حدود جسده المادي ويتواصل على مستويات مختلفة من خلال لغة العيون.
عدد كبير من الخبراء الذين يدرسون لغة الجسد وتحديداً تعابير الوجه خصصوا وقتاً طويلاً لفهم العيون. وما توصلوا إليه هو أن العيون هي «العضو» الأكثر صدقاً، وذلك لأن الإنسان لا يملك أي سيطرة عليها، فخلافاً لملامح الوجه التي يمكن التحكم بها وإظهار ما يريد الشخص إظهاره من مشاعر قد لا تكون ما يختبره فعلاً فإن العيون تظهر الحقيقة.
فالحدقة تتسع بشكل تلقائي عندما نشعر بالفرح الكبير أو بالخوف، والمسؤول عن ذلك هو الجهاز العصبي التلقائي الذي يتحكم بالوظائف الحيوية اللاإرادية.
وعند وجود خطر ما أو أمر مفرح، يتخذ هذا الجهاز التلقائي القرارات بشكل أسرع بكثير مما يتطلبه اتخاذ القرارات الإرادية. وهكذا إذا فرح الإنسان لأمر ما فإن أول رد فعل يأتي من العين التي تتسع حدقتها بشدة حتى قبل أن ينطق الإنسان بأي كلمة.
وفي دراسة حديثة نشرت في دورية «بروسيدينغز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف سينسيسز» توصل الباحثان فيليام دي غي وتوبياس دونر من جامعة أمستردام إلى اكتشاف مثير جداً للاهتمام، فعلى ما يبدو أنه يمكن التنبؤ بالقرار الذي سيتخذه الشخص قبل أن يبلغنا به وربما حتى قبل أن يدركه هو شخصياً. فمثلاً إن كان جواب شخص ما على سؤال محدد هو نعم أو لا فإن نعم ستكون مسبوقة باتساع حدقة العين.
دراسة علمية: هل النفس البشرية في العيون؟
أجرى عدد من الباحثين وعلماء النفس في جامعة ييل ثلاث دراسات في محاولة لفهم العلاقة بين العيون والروح. الدراسات حاولت اكتشاف مكان تواجد الروح من وجهة نظر الناس، إذ إن عدداً كبيراً من الأشخاص يؤمنون بأن الروح هي في العيون أو في مكان ما قريب من العيون.
الدراسات الثلاث شملت أشخاصاً من مختلف الفئات العمرية من ضمنهم أطفال لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم وبعضهم لم يتجاوزوا الخامسة من عمرهم. النتيجة التي تم التوصل إليها مذهلة وهي أن الجميع وبغض النظر عن سنهم كانوا يملكون قناعة مشتركة وهي أن النفس أو الروح موجودة في العيون أو في مكان قريب منها. وهذا يعني أن القناعة ليست نتيجة مفهوم اجتماعي يتم تعليمه أو زرعه بل هي مفهوم حدسي مزروع في مكان ما في عقلنا.
العيون والنظرات وعالم مذهل معقد غير مفهوم
الكل يعرف بأن هناك ما يُسمّى لغة العيون حتى إن هناك خبراء تخصصوا في هذا المجال، وهناك عشرات المقالات التي توفر كل المعلومات التي يحتاج إليها الشخص لقراءة هذه اللغة، أي معرفة الحالة العاطفية للشخص، أو ما يفكر به من خلال عيونه. ولكن هناك ما هو أبعد من ذلك وأكثر تعقيداً حين يتعلق بالعيون وكونها نافذة للنفس البشرية سواء لنفسنا أو لنفوس الآخرين.
عالم العيون والنظرات مذهل ومعقد في الوقت عينه. بعيداً عن تبادل النظرات بشكلها الطبيعي هناك نظرات مختلفة بتأثير مختلف. مثلاً تلتقي نظراتكم بنظرات شخص آخر غريب لا تعرفونه، وفجأة يتوقف العالم من حولكم ويختفي ولا يعد هناك سواكما، لا يمكنكما إشاحة النظر ولا تريدان القيام بذلك.
ما حدث هنا هو أن الأمر لم يعد يتعلق بالتقاء نظرات بل بتفاعلات كيميائية مذهلة تحدث في العقل وبترابط عاطفي يحدث عن بعد وكل ذلك من خلال العيون.
هل سبق لكم وأن كنتم منشغلين بأموركم الخاصة وفجأة تشعرون برغبة قوية للنظر إلى بقعة محددة وإلى شخص محدد من بين العشرات لتكتشفوا عند النظر إليه بأنه يحدق بكم؟ ما حدث هنا هو أنكم أدركتم أنه يحدق بكم من دون أن تنظروا إليه ولهذا السبب نظرتم إليه، وكأن هناك قوة ما تتجاوز الحضور البدني المادي جعلتكم تنظرون إلى تلك الوجهة تحديداً.
وإن كنتم تسألون عن سبب حدوث ذلك، فنحن لا نملك الإجابة لأن العلماء لا يملكون الإجابة وكل ما توصل إليه العلماء هو أن تبادل النظرات اللحظي هو بسبب شعورنا بأن ذلك الآخر يشبهنا وهذا مجرد تكهن لا أكثر.
وبرغم أن العيون تلعب دوراً أساسياً في حياتنا اليومية وفي تفاعلنا الاجتماعي وفي عكس ما نحن عليه ورؤية ما عليه الآخر، ولكن لا يمكن القول بأن العيون تقدم لنا نظرة شاملة عن كل ما يدور في عقول ونفوس الآخرين بل هي أقرب إلى جسر بين نفس وأخرى وتوفر منفذاً مباشراً لنفوس الآخرين.
الظاهرة الفريدة هذه محصورة فقط بالبشر وهي تبدأ منذ ولادتنا. الأطفال الرضع يظهرون اهتماماً بالوجوه، رغم كونهم لا يبصرون بشكل جيد والدراسات أكدت أن الرضّع يفضلون النظر إلى الوجوه بعيون مفتوحة وليس بعيون مغلقة. وقد أظهرت الأبحاث بأن الرضّع وحين يحدقون بعيون الآخرين يتم تحفيز منطقة في العقل يستخدمها البالغون من أجل فهم الإشارات العاطفية الاجتماعية. وهذا ربما ما يعيدنا إلى الدراسة حول مكان النفس، فلم يكن هناك أي تأثير لمفهوم مزروع في اللاوعي عند الأطفال، ومع ذلك اعتبروا أن النفس والروح البشرية هي في العيون.