لماذا يشعر شباب اليوم بالوحدة رغم كثرة الأصدقاء؟
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة PLOS One أن فئة الشباب تعاني ارتفاعًا في مستويات الوحدة الاجتماعية رغم اتساع دوائر معارفهم وكثرة أصدقائهم، في ظاهرة تُبرز ضعف الروابط الإنسانية الحقيقية التي تمنح الإنسان الشعور بالانتماء والطمأنينة.
وفي المقابل، أوضحت النتائج أن كبار السن يتمتعون بعلاقات اجتماعية أكثر استقرارًا ورضا، في مفارقة لافتة بين وفرة الصداقات السطحية وعمق التواصل الإنساني القائم على المودة والسكينة.
كما أظهرت الدراسة أن متوسط أعمار المشاركين بلغ نحو 44 عامًا، وبيّن الباحثون أن هدفها فهم العلاقة بين الشعور بالانتماء وعدد الأصدقاء ومستوى العزلة أو الانفصال الاجتماعي بين مختلف الأعمار، في إطارٍ يؤكد أهمية التواصل الإنساني والتوازن النفسي الذي تدعو إليه القيم الدينية والاجتماعية.
وقسّم الباحثون الحالة الاجتماعية إلى مستويين: الرفاه الاجتماعي، وهو جودة العلاقات والدعم المتبادل والإحساس بالانتماء، وسوء الحالة الاجتماعية الذي يعني العزلة أو ضعف الروابط والتهميش.
وقد تم تقييم هذه الجوانب من خلال أسئلة تناولت طبيعة العلاقات ومدى التفاعل والتواصل بين الأصدقاء.
وبيّنت النتائج أن من يتمتعون برفاه اجتماعي مرتفع يعانون توترًا أقل ولديهم عدد أكبر من الأصدقاء، في حين سجّلت فئة ضعيفي الرفاه الاجتماعي مستويات أعلى من الوحدة وشعورًا أكبر بالانفصال، رغم وجود معارف في محيطهم، كما أفاد بعض المشاركين بأنهم فقدوا الاتصال بأصدقاء مقربين.
وخلصت الدراسة إلى أن عدد الأصدقاء يبلغ ذروته في مرحلة الشباب المبكرة، ثم ينخفض في أواخر العشرينيات وفترة منتصف العمر (بين 45 و60 عامًا)، قبل أن يعود للارتفاع في المراحل اللاحقة من الحياة.
اختلاف الوحدة بين الأجيال
وكشفت الدراسة أن كبار السن هم الأقل شعورًا بالوحدة والانفصال عن المجتمع، على عكس الشباب الذين يعيشون تحولات متكررة في العمل والدراسة والعلاقات تجعل حياتهم الاجتماعية أقل استقرارًا.
وأشار الباحثون إلى أن الوحدة بين الشباب لا تعني غياب الأصدقاء، بل هي نتيجة لتغير نمط الحياة وسرعة الأحداث وتقلّب العلاقات في المراحل الانتقالية من العمر، وهو ما يخلق نوعًا من "الوحدة وسط الزحام".
كما لفتت الدراسة إلى أن العوامل الاقتصادية والمجتمعية مثل الفقر، وعدم المساواة، وضعف الثقة بين الأفراد والمؤسسات قد تساهم في زيادة العزلة الاجتماعية، لما تسببه من شعور بالإقصاء وانعدام الأمان الاجتماعي.
وأوضح الفريق أن سوء الحالة الاجتماعية يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية، إذ يؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب ويقلل من قدرة الفرد على التكيف مع الضغوط.
وفي المقابل، شددت الدراسة على أهمية الشبكات الاجتماعية الداعمة في حياة الإنسان، مبينة أن الإحساس بالانتماء والتقدير يساعد على تحسين جودة الحياة ورفع معدلات الرضا العام وتقليل الشعور بالوحدة.
وأكد الباحثون أن هذه النتائج تسهم في فهم أوسع لظاهرة الوحدة الاجتماعية وأسبابها، داعين إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العلاقات الاجتماعية المستمرة والمتوازنة في مختلف مراحل الحياة.
