التوتر اليومي لا يضر فقط بعقلك… بل يسرق طاقتك من الداخل!
توصّل باحثون في جامعة رايس وجامعة بيتسبرغ إلى أن الميتوكوندريا، وهي “محطات توليد الطاقة” داخل الخلايا، قد تمثل الصلة البيولوجية الدقيقة التي تفسّر كيف يمكن للعوامل النفسية مثل العزلة الاجتماعية والقلق المزمن أن تؤثر على صحة الإنسان الجسدية.
نشرت نتائج هذه المراجعة العلمية في دورية Current Directions in Psychological Science، حيث اقترح الفريق بقيادة الأستاذ كريستوفر فاغوندس أن التغيرات في كفاءة الميتوكوندريا عند التعرض المستمر للضغط النفسي قد تُحفّز سلسلة من الاضطرابات الحيوية، تبدأ من الإرهاق والاكتئاب وتصل إلى أمراض القلب والأوعية الدموية.
أوضح الباحثون أن النماذج النفسية التقليدية، مثل النموذج البيولوجي الاجتماعي، لطالما افتقرت لتفسير آلية محددة تبيّن كيف تتحول المعاناة الشعورية إلى تغيرات خلوية ملموسة.
غير أن فهم الميتوكوندريا كمستشعر دقيق للإجهاد يمنح العلماء أداة جديدة لفهم العلاقة بين الحالة النفسية وسلوك الخلايا.
كيف تؤثر الضغوط المزمنة على خلايا الطاقة
بحسب الورقة البحثية، تعمل الميتوكوندريا تحت الظروف الطبيعية كمصدر للطاقة، إذ تنتج جزيئات ATP اللازمة لوظائف الدماغ والعضلات. لكن عند التعرض لظروف الضغط أو الوحدة لفترات طويلة، تتغير استجابة هذه البُنى الدقيقة، فتفقد كفاءتها وتبدأ بإنتاج كميات مفرطة من الجزيئات المؤكسدة التي تسبّب ما يُعرف بالإجهاد التأكسدي داخل الجسم.
هذا الخلل في أداء الميتوكوندريا يؤدي إلى تراجع توازن الطاقة في الخلايا واضطراب أدائها، ما ينعكس على الدماغ في شكل تراجع في التركيز والمزاج وضعف في وظائف الذاكرة.
كما تشير الدراسة إلى أن الميتوكوندريا المتضرّرة تطلق أجزاء من مادتها الوراثية (DNA) إلى مجرى الدم، فيتعامل معها الجهاز المناعي كإشارة خطر، ما يطلق سلسلة التهابات مزمنة مرتبطة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب والتدهور العصبي.
تأثير الإجهاد المزمن والعزلة على صحة الميتوكوندريا
أظهرت مراجعة الباحثين أن الأشخاص الذين يعيشون إجهادًا نفسياً مزمناً، مثل مقدمي الرعاية لمرضى الخرف، تظهر لديهم مؤشرات أقل لصحة الميتوكوندريا مقارنة بغيرهم. أما أولئك الذين يتمتعون بوظائف خلوية أقوى فقد أبدوا قدرة أكبر على تحمل الضغوط والتكيّف مع الصدمات النفسية.
وترى الدراسة أن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام مقاربة جديدة في علم النفس البيولوجي، حيث يمكن أن تُصبح صحة الميتوكوندريا مؤشراً حقيقياً على المرونة النفسية.
كما يؤكد الباحثون أن ممارسة الرياضة بانتظام تساعد على تحسين وظائف الميتوكوندريا من خلال ما يُعرف بعملية “التكوين الحيوي”، ما يزيد من مرونة الجسم أمام الضغوط.
أما العزلة الاجتماعية، في المقابل، فتقلل من مستويات بروتينات الميتوكوندريا في الدماغ، مما يخلق حلقة متكررة من الضعف النفسي والجسدي.
ويخلص الفريق العلمي إلى أن المرونة ليست مجرد حالة ذهنية، بل طاقة خلوية قابلة للقياس، وأن فهم هذه العلاقة على المستوى الخلوي قد يمهّد لتطوير علاجات مستقبلية تستهدف الصحة النفسية من داخل الخلايا نفسها.
