العزلة الإيجابية: لماذا يحتاج عقلك إليها؟ دروس من بيل غيتس ودافنشي وعباقرة العالم
في الوقت الذي تكثر فيه نصائح "التنمية البشرية" حول أهمية استغلال كل ثانية من العمر والعمل وتجنب التسويف، تأتي أبحاث علم الأعصاب لتقدم سردية مختلفة، وتدعو إلى إعادة النظر في أهمية الاسترخاء والعزلة.
ولكن ليس المقصود بالعزلة هنا، في السياق الذي تتحدث عنه الدراسات، الانعزال بمعناه الحرفي عن العالم والمجتمع، وإنما إعطاء العقل فرصة لأن يُفكر ويرتب مُدخلاته بعيدًا عن مشتتات العالم الخارجي، فقد تكون وسط حشد من الناس، لكنك منعزل.
وكما تُشير نتائج علمية حديثة، فإن منح الدماغ فرصة للهدوء والسكون، وترك العقل وشأنه لكي يشرد، قد تحمل في طياتها فوائد غير متوقعة، خصوصًا على مستويي الإبداع والذكاء.
وفي مقاله المنشور بموقع CNBC، أشار الدكتور جوزيف جيبلي (Joseph Jebelli)، وهو المتخصص في علم الأعصاب وصاحب الخبرة البحثية في العلاقة بين الراحة والدماغ، إلى أن العزلة لها فوائد بيولوجية، تدفع الدماغ لإعادة ترتيب أفكاره وتوليد أفكار جديدة.
كما أوضح أن الوحدة تمنح العقل مساحة ضرورية لتشكيل روابط جديدة بين المعلومات والمعارف، فالكتابة، أو العزف على آلة موسيقية، أو ممارسة هواية الرسم أو التأمل والصلاة، كلها أنشطة يتطلب إنجازها نوعًا من العزلة، التي تتيح للعقل أداءها بكفاءة أعلى.
ووفقًا لما جاء في المقالة، فإن العزلة تُنشّط ما يُعرف في علم الأعصاب بـ"الشبكة الافتراضية Default Network" في الدماغ، وهي المسؤولة عن بناء وصلات عصبية جديدة، وتعزيز المهارات، وتحسين قدرة الإنسان على استيعاب المعلومات، بالإضافة إلى تنمية الإبداع بطريقة أكثر فاعلية.
العزلة : السلاح السري لعباقرة العالم!
يعزز د. جبلي طرحه، بالإشارة إلى أن كثيرًا من الأفراد الأكثر نجاحًا وذكاءً في العالم كانوا يقدسون فترات العزلة.
على سبيل المثال، كان "بيل غيتس" يحرص على عزل نفسه مرتين كل عام داخل كوخٍ، ومعه مجموعة من الكتب فقط، ليقضي أسبوعًا كاملًا بعيدًا عن العالم الخارجي، بما في ذلك العائلة وزملاء العمل.
هذه الفترة، التي أطلق عليها "أسبوع التفكير"، كان يستغلها في التأمل والتعلم وصياغة الأفكار الجديدة دون أي مقاطعة.
وتكشف تقارير صحفية أن أحد هذه الأسابيع كان السبب في ولادة مشروع متصفح الإنترنت الشهير "إنترنت إكسبلورر" عام 1995.
ولا تقتصر أهمية العزلة على العمل العميق فقط، بل تلعب دورًا كبيرًا أيضًا عندما يشعر الإنسان بنوع من الجمود أو العجز الإبداعي.
فـ"ليوناردو دافنشي"، على سبيل المثال أيضًا، كان يُعرف بتأمله الطويل أمام لوحة "العشاء الأخير" لساعات متواصلة، قبل أن يضيف ضربة فرشاة واحدة، ثم يغادر المكان، وهذا النوع من الانقطاع الذهني، كان يمنح عقله مساحة لإعادة التفكير، لإخراج العمل الفني بأفضل صورة ممكنة.
كيف توظف العزلة لصالح عقلك؟
رغم عدم وجود طريقة محددة حول المدة المثالية التي يجب أن يقضيها الإنسان في العزلة، فإن الخبراء يرون أن زيادة الوقت الذي يقضيه الفرد بمفرده، خاصة في الأوقات التي يشعر فيها بالحاجة لذلك، له أثر إيجابي واضح على صحة الدماغ ونشاطه، ويمكن تطبيق ذلك عبر خطوات عملية منها:
1. المبادرة بالخروج منفردًا:
رغم أن فكرة السفر أو قضاء إجازة بمفردك قد تبدو صعبة في البداية، فإن تجربة الابتعاد عن الروتين اليومي، والاختلاط ببيئة جديدة تفتح الباب أمام تجارب حسية غير متوقعة، وتحفز الإبداع والتأمل الذاتي.
اقرأ أيضًا: صفقة غامضة قرب مارالاغو بـ250 مليون دولار.. هل لبيل غيتس علاقة؟
2. البدء التدريجي للعزلة:
ليس من الضروري أن تعزل نفسك لفترات طويلة، بل يمكن الاكتفاء بعشر دقائق يوميًا في مكان هادئ دون إزعاج، والتركيز فقط على التنفس أو الراحة الذهنية، فهذه الدقائق القليلة تساهم في تهيئة الدماغ للاسترخاء، وتنشيط الشبكة الافتراضية المسؤولة عن الإبداع، والتي تحدث عنها الدكتور جوزيف.
3. اختيار العلاقات الاجتماعية بعناية:
من المهم أن يكون الوقت الذي يقضيه الفرد مع الآخرين ذا جودة، ومع أشخاص يمنحونه طاقة إيجابية، لأن العلاقات السلبية أو المصطنعة ترفع مستوى هرمون الكورتيزول في الدماغ، مما يؤدي إلى إرهاق الشبكة العصبية المسؤولة عن التواصل الاجتماعي الصحي.
4. التأمل والمراجعة الذاتية:
خلال أوقات العزلة، يُنصح باستخدام جزء من هذا الوقت لمراجعة المشاعر والأفكار، سواء بالتأمل أو تدوينها كتابةً، وهذه المراجعة تساعد الإنسان على فهم ذاته بشكل أعمق، وتسهل عليه التعامل مع العواطف والتحديات.
5. الانخراط في أنشطة فردية واعية:
هناك العديد من الأنشطة التي يمكن ممارستها بشكل فردي مثل المشي، أو كتابة اليوميات، أو ممارسة اليوغا، وكلها تساهم في تعزيز الحضور الذهني والاسترخاء، وتساعد على تثبيت تركيز الدماغ في اللحظة الراهنة.
