صحة الدماغ والمزاج: دراسة تربط بين الاكتئاب والعزلة والتدهور المعرفي
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Journal of Affective Disorders، أن الاكتئاب يمكن أن يسبب ضعفاً في الأداء المعرفي العام، عبر تأثيره على العزلة الاجتماعية، ما يشير إلى أن التفاعلات الاجتماعية تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على صحة الدماغ.
وأجريت الدراسة ضمن مشروع واسع هو China Health and Retirement Longitudinal Study (CHARLS)، وشملت تحليل بيانات أكثر من 9 آلاف شخص تزيد أعمارهم عن 45 عاماً، تم تتبّعهم على مدى خمس سنوات.
ويُعرف الاكتئاب بأنه اضطراب نفسي مزمن يتسم بالحزن المستمر، وفقدان المتعة، وانخفاض الطاقة، وغالباً ما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي.
وأوضح الباحثون أن هذه العزلة يمكن بدورها أن تعمّق أعراض الاكتئاب، وتزيد من خطر التدهور المعرفي، فالأشخاص الذين يعانون من أعراض اكتئاب حادة كانوا أكثر عرضة للعيش بمفردهم، أو الانقطاع عن الأنشطة الاجتماعية، ما جعل علاقاتهم محدودة، وبالتالي قلّت تحفيزات الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والانتباه.
العلاقة بين الاكتئاب والعزلة الاجتماعية
أشار الفريق البحثي بقيادة الدكتورة جيا فانغ إلى أن العزلة الاجتماعية تفسر جزئياً العلاقة بين شدة الاكتئاب وتراجع الوظائف الإدراكية، حيث تبين أن نحو 3.1% من هذا التأثير يُعزى إلى قلة التفاعل الاجتماعي.
وبيّنت التحاليل أن الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب متقدم يميلون لاحقاً إلى الشعور بالعزلة، وهذا الانعزال يؤدي بدوره إلى ضعف في الذاكرة والتركيز والتفكير المنطقي، ورغم أن النسبة تبدو محدودة، إلا أنها تكشف واحدة من الآليات التي تربط بين الصحة النفسية والذهانية لدى كبار السن.
اعتمد الباحثون على قياسات ثابتة مثل مقياس مركز الدراسات الوبائية للاكتئاب، المكوّن من عشرة أسئلة لتقييم الحالة النفسية، إلى جانب اختبارات تقييم الذاكرة والسلوك العقلي، كما أُخذت مؤشرات حول الحالة الاجتماعية مثل الزواج والعيش المنفرد أو مستوى التواصل مع الأولاد والأنشطة الاجتماعية الشهرية، وشارك في الدراسة 51% من النساء بمتوسط عمر بلغ 58 عاماً، مما منح النتائج تمثيلاً متوازناً من حيث الجنس والعمر.
كيفية الوقاية من تدهور القدرات العقلية الناتج عن الاكتئاب
خلص الباحثون إلى أن الحفاظ على النشاط الاجتماعي، خصوصاً لدى من يعانون من أعراض اكتئاب، يمكن أن يبطئ التدهور المعرفي ويخفض خطر الخرف في المراحل المتقدمة من العمر.
ودعوا إلى التركيز على برامج وقائية تعالج العزلة الاجتماعية بجانب العلاجات النفسية التقليدية، مؤكدين أن "تعزيز الترابط الاجتماعي لا يحسن المزاج فقط، بل يحافظ أيضاً على وظائف الدماغ الحيوية".
اقرأ أيضاً الاكتئاب والضائقة المالية: لماذا يعاني الأغنياء نفسياً رغم وضعهم المادي؟
وأشار الخبراء إلى أن هذا النوع من الدراسات القائمة على المراقبة لا يثبت علاقة سببية قاطعة، بل يكشف عن ارتباطات مهمة تحفّز مزيداً من البحث.
كما أن الاعتماد على التقارير الذاتية في قياس العزلة الاجتماعية قد يؤدي إلى بعض الانحرافات الإحصائية، ومع ذلك، تبقى هذه النتائج دليلاً واضحاً على أن الاكتئاب والعزلة الاجتماعية يشكلان معاً تهديداً حقيقياً لقدرات الإنسان المعرفية إذا لم تتم معالجتهما مبكراً.
