الاكتئاب والضائقة المالية: لماذا يعاني الأغنياء نفسياً رغم وضعهم المادي؟
كشفت دراسة حديثة أن الإحساس الشخصي بالضائقة المالية يمكن أن يؤثر بشكل كبير في خطر الإصابة بالاكتئاب أو تفاقمه، حتى عندما لا يعاني الفرد من ضائقة مالية حقيقية، والمفاجئ أن هذا التأثير كان أقوى بين أصحاب الدخل المرتفع مقارنة بذوي الدخل المحدود.
وأشارت الدراسة التي نُشرت في مجلة "Epidemiology and Psychiatric Sciences"، والتي قادها الباحث غوستاف مافر مافيييل ضمن مشروع EpiCov الفرنسي، إلى أن الإحساس الذاتي بالضغط المالي قد يكون مؤشرًا أكثر دقة للاكتئاب، أكثر من مقدار الدخل الحقيقي أو الوضع المادي الفعلي للفرد.
واعتمدت الدراسة على عينة وطنية تمثيلية من 14,236 شخصًا، تتراوح أعمارهم بين 15 عامًا وما فوق، تم تتبعهم بين عامي 2020 و2022 عبر أربع مراحل استقصائية متتالية.
استخدم الباحثون مقياس PHQ-9 لتقييم أعراض الاكتئاب، مقسّمين المشاركين إلى ثلاث فئات: "لا يوجد أعراض أو أعراض خفيفة"، "متوسطة"، و"شديدة"، كما تم تصنيف مستويات الضائقة المالية إلى ثلاث درجات: لا توجد ضائقة، ضائقة متوسطة، وضائقة شديدة.
اقرأ أيضًا: هل يساعد المانغو في الوقاية من السكري؟ دراسة تجيب
ارتباط قوي بين الشعور بالضائقة والاكتئاب
أظهرت النتائج أن الأفراد الذين شعروا بضائقة مالية متوسطة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أو تفاقم أعراضه بنسبة 1.4 مرة، في حين ارتفعت الاحتمالات إلى الضعف لدى من أبلغوا عن ضائقة مالية شديدة.
ولفت الباحثون إلى أن هذا الارتباط كان أقوى في الأسر ذات الدخل المرتفع، ما يتحدى الفكرة التقليدية القائلة إن الضغوط المالية تؤثر فقط في الطبقات الأقل دخلًا.
وأوضح الفريق البحثي أن الأفراد الميسورين قد يعانون من تدهور نفسي أسرع عندما يتعرضون لأحداث مالية سلبية مفاجئة، مثل فقدان الوظيفة أو تراكم الديون، نظرًا لعدم اعتيادهم على التحديات الاقتصادية المستمرة، بعكس أصحاب الدخل المنخفض الذين يعيشون ظروفًا مالية صعبة بشكل دائم.
وأظهرت الدراسة أن الشعور بالضائقة المالية لا يرتبط بتحسن في أعراض الاكتئاب حتى عند تحسن الوضع المالي لاحقًا، مما يشير إلى أن العبء النفسي الناتج عن القلق المالي قد يترك أثرًا طويل الأمد على الصحة النفسية.
ورجّح الباحثون تفسيرين رئيسيين لهذه الظاهرة: الأول أن الأزمات المالية المفاجئة بين الأسر الثرية تؤدي إلى اضطرابات نفسية حادة قصيرة المدى، والثاني أن مستويات الاكتئاب لدى ذوي الدخل المنخفض قد تكون مرتفعة أصلًا، لدرجة لا تسمح بزيادة ملحوظة عند مواجهة ضغوط جديدة.
اعتمدت الدراسة على نماذج إحصائية متقدمة لتتبع تغير مستويات الاكتئاب بمرور الوقت، بدلاً من قياسه بشكل ثنائي (مكتئب أو غير مكتئب)، ما أتاح فهمًا أعمق لمسار تطور الأعراض، كما أخذت في الاعتبار عوامل مثل العمر والجنس والتعليم والتاريخ الصحي والحالة الوظيفية.
