هل يقل التعاطف مع زيادة الذكاء؟ دراسة حديثة تجيب
كشفت دراسة علمية نُشرت في مجلة Intelligence، أن أصحاب الذكاء العالي لا يتمتعون بالضرورة بدرجة أعلى من "التعاطف الفطري"، كما يُعتقد عادة، بل يميلون إلى استخدام نوع مختلف من التعاطف يعتمد على التحليل العقلي أكثر من التفاعل العاطفي التلقائي.
قاد البحث كل من ناتالي لافين كولو، باسكال بلانش، ولورانس فيفر‑دوريه، من جامعة باريس سيتى ومؤسسة INSERM الفرنسية، بهدف توضيح العلاقة بين الذكاء العالي والمهارات الاجتماعية العاطفية، بعيدًا عن التعميمات الشائعة.
العلاقة بين الذكاء العالي والتعاطف
بيّنت المراجعة أن التعاطف لا ينقسم فقط إلى مشاعر، بل إلى نوعين رئيسيين: العاطفي والمعرفي.
الأول يتمثل في الاستجابة الفورية لمشاعر الآخرين، مثل الانفعال عند رؤية شخص يتألم، ولم يظهر أن الأذكياء يتميزون فيه عن غيرهم.
أما الثاني، وهو القدرة على فهم مشاعر الآخرين وتحليلها بدقة، فقد تفوق فيه أصحاب الذكاء العالي بفضل مهاراتهم اللغوية والمنطقية.
وأوضح الباحثون أن هؤلاء الأفراد يتعرفون على الإشارات الدقيقة في نبرات الصوت وتعابير الوجه بسرعة ودقة، لكنهم في الوقت نفسه يُخضعون استجاباتهم العاطفية للتحكم العقلي حفاظًا على التوازن في المواقف الشديدة.
هذا النمط من "التعاطف التحليلي" يجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط، لكنه قد يعطي انطباعًا بالبرود أو الانفصال العاطفي رغم إدراكهم الكامل للموقف.
وكشفت المراجعة أن الدافع وراء تعاطف الأذكياء غالبًا ما يكون أخلاقيًا، مرتبطًا بالإحساس بالعدالة والمبادئ العامة أكثر من الارتباط العاطفي المباشر مع الأفراد.
كما أشارت إلى أن تطور الذكاء في الطفولة أسرع عادة من تطور النضج العاطفي، ما يدفع بعض الأطفال الموهوبين إلى "عقلنة" مشاعرهم منذ الصغر.
ويرى الباحثون أن هذه السمة قد تُشبه بعض مظاهر طيف التوحّد، لكنها تختلف جوهريًا؛ فالأذكياء يقرؤون الإشارات الاجتماعية بدقة، لكنهم يضبطون تفاعلهم العاطفي بوعيٍ أو دون وعي.
وهذا يتطلب من المختصين التربويين تمييز هذه الاستراتيجيات التنظيمية عن العوائق الحقيقية في فهم المشاعر.
كما خلصت الدراسة إلى أن امتلاك الأذكياء وظائف تنفيذية قوية، مثل التحكم في الاندفاعات والانفعالات، يمنحهم ميزة في تحليل المواقف بموضوعية، لكنه قد يحدّ من التعبير التلقائي عن المشاعر.
وأوصت الأبحاث المستقبلية باستخدام أدوات ميدانية وتقنيات تصوير الدماغ، لاختبار فرضية "الكبح العاطفي" لديهم.
وختم الباحثون بأن التعاطف بين أصحاب الذكاء العالي ليس ثابتًا، بل يتغير تبعًا للسياق والدافعية، فقد يبدو الشخص باردًا في المواقف العادية، لكنه يُظهر انخراطًا عميقًا عندما يتعلّق الأمر بقيمة أو فكرة يؤمن بها.
