في الميزان: تأثير المضادات الحيوية على خصوبة الرجال
لا يستغرق تناول المضادات الحيوية سوى بضعة أيام عادةً، تقضي خلالها على العدوى البكتيرية المُسبِّبة للمرض، أيًا كان ذلك المرض، لكن وفي خضم معركة المضادات الحيوية مع البكتيريا، ألا يمكن أن تكون الحيوانات المنوية في مرمى النيران؟
بالفعل، يمكن للمضادات الحيوية أن تؤثِّر في الحيوانات المنوية مُلحِقة بها الضرر، سواء من ناحية قدرتها على الحركة أو مادتها الوراثية، ولكن من جانب آخر، قد تحسّن المضادات الحيوية خصوبتك بعلاج عدوى الجهاز التناسلي التي قد تضرّ الخصوبة.
لذلك متى تكون المضادات الحيوية مُضرة لخصوبتك ومتى تفِيدها؟ ومتى ينتهي تأثيرها السلبي في الحيوانات المنوية؟
ما هي المضادات الحيوية ولماذا تُستخدم؟
المضادات الحيوية أدوية تكافِح العدوى البكتيرية، سواء من خلال قتلها أو الحد من تكاثرها، وتُستخدم المضادات الحيوية في علاج العدوى البكتيرية التي لا يستطيع جسمك القضاء عليها بمفرده، مثل عدوى الجهاز البولي، أو التهابات الجيوب الأنفية أو الأذن أو غيرها.
وإذا وصف لك الطبيب مضادًا حيويًا، فمن الضروري اتّباع تعليماته والتزام مُدّة العلاج، لأنّ ذلك يمنع البكتيريا من تطوير مقاومة للمضادات الحيوية، إذ لا يكون المضاد الحيوي ناجحًا بعد ذلك في القضاء على تلك البكتيريا.
ومن أمثلة المضادات الحيوية:
- سيبروفلوكساسين.
- ميترونيدازول.
- أموكسيسللين.
- دوكسيسيكلين.
هل تؤثّر المضادات الحيوية في جودة الحيوانات المنوية؟
نعم، قد تؤثِّر المضادات الحيوية في جودة الحيوانات المنوية من عِدّة زوايا، منها:
1. تلف المادة الوراثية للحيوانات المنوية
بيّنت دراسة عام 2012 في "Veterinary Research Forum"، أنّ الحصول على المضاد الحيوي سيبروفلوكساسين، كان مرتبطًا بتلف الحمض النووي في خلايا الحيوانات المنوية، وانخفاض مُعدّلات الإخصاب لدى الفئران.
كما بيّنت دراسة أخرى عام 2022 أُجريت على البشر، منشورة في دورية "Andrologia"، أنّ الجرعات المنخفضة والعالية من سيبروفلوكساسين، زادت من تكسّر المادة الوراثية للحيوانات المنوية، كما أوصى الباحثون بضرورة تجنّب الدواء عندما يكون الحفاظ على جودة الحيوانات المنوية ضروريًا للإنجاب.
2. حركة الحيوانات المنوية
يمكن أن تؤثر المضادات الحيوية سلبًا في قدرة الحيوانات المنوية على الحركة، إذ توصّلت دراسة عام 2011 في دورية "The Medical-Surgical Journal"، أُجريت على الحيوانات المنوية للفئران، إلى أنّ سيفتازيديم ومزيج الأموكسيسيللين وحمض الكلافولانيك، أدّت إلى انخفاض حركة الحيوانات المنوية.
بل كان التأثير معتمدًا على الجرعة، إذ أدّى الحصول على جرعة أعلى من الأموكسيسيلين وحمض الكلافولانيك إلى انخفاض حركة الحيوانات المنوية بنحو 85%، فيما أدّت أقل جرعة إلى انخفاض حركة الحيوانات المنوية بنحو 49%.
ومع ذلك، فهناك حاجة إلى مزيد من الدراسات البشرية لتأكيد تأثير المضادات الحيوية على حركة الحيوانات المنوية لدى البشر.
اقرأ أيضًا:مؤشرات تحدد خصوبتك.. معايير جودة الحيوانات المنوية وكيف تحسّنها طبيعيًا
3. اختلال الهرمونات
تنتِج الخصية هرمون التستوستيرون، الذي يحفّز إنتاج الحيوانات المنوية، وقد تتسبّب المضادات الحيوية في اختلال إنتاج الهرمونات، إذ أشارت دراسة عام 2013 في المجلة الدولية للخصوبة والعُقم، أجريت على الفئران، إلى أنّ السيبروفلوكساسين، يخفض مستويات هرمون التستوستيرون ويعطّل وظائف الخصوبة حتى بجرعات منخفضة.
فيما أشارت دراسة أخرى في دورية "Experimental and Toxicologic Pathology" عام 2013 أُجريت على الفئران أيضًا إلى أنّ التعرّض لـ"تتراسيكلين" و"دوكسيسكلين" في أثناء النشاط الجنسي، كان مرتبطًا بتغيّرات في الخصيتين أثّرت سلبًا على جودة الحيوانات المنوية.
ومع ذلك، فهناك حاجة إلى دراسات بشرية أوضح لمعرفة مدى تأثير المضادات الحيوية في هرمون التستوستيرون.
متى ينتهي تأثير المضادات الحيوية على جودة الحيوانات المنوية؟
تختلف مُدّة تأثير أي دواء على جودة الحيوانات المنوية تبعًا لنوع الدواء، لكن لا ينبغي توقّع حدوث أي تغييرات حتى مرور شهرين إلى ثلاثة أشهر على الأقل بعد التوقف عن تناول الدواء، لأنّ الحيوانات المنوية تستغرق وقتًا طويلا لتتشكّل وتنضج تمامًا، إذ تستغرق دورة حياة الحيوانات المنوية نحو 72 يومًا.
متى تكون المضادات الحيوية مساعدة على تحسين الخصوبة؟
على نقيض ما سبق، فإنّ المضادات الحيوية يمكن أن تكون في بعض الأحيان علاجًا لتحسين الخصوبة، وذلك عند استخدامها لمعالجة الأمراض المنقولة جنسيًا، التي تؤثِّر سلبًا في صحة الحيوانات المنوية والخصوبة، بالإضافة إلى حالات أخرى تكون فيها المضادات الحيوية مفيدة في تحسين الخصوبة:
1. التهاب البروستاتا والتهاب البربخ
قد يعاني نحو 60% من المرضى المصابين بالتهاب البربخ أو التهاب الجزء الخلفي من الخصية، انخفاضًا في نموّ الحيوانات المنوية، وقد تُسهِم المضادات الحيوية في إعادة السائل المنوي إلى وضعه الطبيعي.
أظهرت دراسة نُشرت عام 2018 في دورية BMJ، شملت 122 رجلاً يعانون من التهابات الجهاز البولي التناسلي وانخفاض الخصوبة، أن الرجال المصابين بالتهاب البروستاتا أو التهاب البروستاتا والحويصلات المنوية والذين تناولوا المضادات الحيوية شهدوا تحسّنًا ملحوظًا في جودة الحيوانات المنوية وزيادة معدل الحمل مقارنة بمن لم يتلقوا العلاج.
2. تقليل عدد كرات الدم البيضاء في السائل المنوي
تدعم مراجعة بحثية أُجريت عام 2021 في دورية "F&S Reports" استخدام المضادات الحيوية لتحسين جودة السائل المنوي، لدى المصابين بوجود قيح في السائل المنوي، وهي حالة يؤثِّر فيها عدد كبير من خلايا الدم البيضاء في السائل المنوي سلبًا في الحيوانات المنوية.
ويمكن أن يكون تقيح السائل المنوي علامة على وجود عدوى، إذ تفرِز خلايا الدم البيضاء جزيئات الأكسجين التفاعلية لتدمير مُسبِّبات العدوى، لكنها يمكن أن تضر أيضًا الحيوانات المنوية، بتدمير غشائها وإضعاف حركتها وإتلاف مادتها الوراثية.
وحسب المراجعة البحثية، أدّى تناول المضادات الحيوية في تلك الحالة إلى تحسّن تركيز الحيوانات المنوية ومظهرها وحركتها بشكلٍ ملحوظ.
اقرأ أيضًا:مع التقدم في العمر: هل يتوقف إنتاج الحيوانات المنوية فعلًا؟
كيف تحمي خصوبتك أثناء استخدام المضادات الحيوية؟
لا مفرّ من تناول المضادات الحيوية الموصوفة لعلاج العدوى والتغلّب عليها، لذلك فيما يلي بعض النصائح للحفاظ على صحة الحيوانات المنوية خلال مُدّة العلاج:
- استخدام المضادات الحيوية وفق توجيهات الطبيب، فهي ضرورية لعلاج العدوى، حتى لو أثّرت في الخصوبة قليلا، كذلك لا بد من استخدامها في علاج العدوى البكتيرية التي تضرّ خصوبتك بالفعل، مثل التهاب البروستاتا البكتيري أو التهاب البربخ أو غير ذلك.
- الحفاظ على وزنٍ صحي، من خلال ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والنظام الغذائي الصحي.
- تقليل التوتر قدر الإمكان، لأنّ التوتر قد يؤثِّر سلبًا في الهرمونات المحفِّزة لإنتاج الحيوانات المنوية.
- ارتداء ملابس داخلية فضفاضة، وعدم استخدام حمامات الساونا وأحواض الاستحمام الساخنة، لأنّ ارتفاع حرارة كيس الصفن، قد تخفض قدرة الجسم على إنتاج الحيوانات المنوية.
- الإقلاع عن التدخين.
