أكسفورد: دراسة جديدة تُغيّر الجدل حول تأثير ألعاب الفيديو على الصحة
في وقتٍ تتزايد فيه النقاشات العالمية حول تأثير ألعاب الفيديو على الصحة النفسية، قدّمت جامعة أكسفورد واحدة من أكثر الدراسات شمولًا ودقة في هذا المجال، لتُعيد صياغة الجدل من أساسه.
فبعد سنواتٍ من التركيز على مفهوم "وقت الشاشة" بوصفه العامل الأهم في تحديد مدى التأثير النفسي للألعاب، تشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أن الكمّ الزمني وحده لا يروي القصة كاملة.
انطلق البحث من تساؤلٍ بسيط طرحه العالم نيك بالو وفريقه في جامعة أكسفورد: هل عدد الساعات التي نقضيها في اللعب حقًا هو ما يحدد مدى سعادتنا أو صحتنا النفسية؟
تأثير ألعاب الفيديو على الصحة النفسية
وللإجابة، استعان الباحثون بعينة من 703 مشاركين بالغين من الولايات المتحدة، جرى تجنيدهم عبر منصة Prolific. ركّزت الدراسة على لاعبي جهاز Nintendo Switch، حيث تمكّن العلماء من الحصول على بيانات موضوعية دقيقة مباشرة من شركة Nintendo of America، تغطي أكثر من 140 ألف ساعة لعب عبر 150 لعبة مختلفة.
وبخلاف الدراسات السابقة التي اعتمدت على تقارير ذاتية من المشاركين، اعتمدت هذه الدراسة على بيانات تتبع رقمية حقيقية، لتقديم صورة أكثر واقعية حول عادات اللعب الفعلية.
اثرأ أيضا: ألعاب PlayStation Plus لأكتوبر 2025: ثلاثية الرعب والمرح والتحدي
بعد تحليل بيانات أسبوعين من نشاط المشاركين، توصل الباحثون إلى أن زيادة وقت اللعب لم ترتبط بأي تغير ملموس في المزاج أو الرضا عن الحياة أو أعراض الاكتئاب.
ساعة إضافية من اللعب يوميًا لم تُحدث فارقًا يُذكر في أي مقياس من مقاييس الرفاهية النفسية.
حتى عند توسيع نطاق التحليل إلى فترات أطول — من أسبوع إلى عام كامل — لم تظهر أي علاقة ثابتة بين كمية الوقت المقضي في اللعب وبين الصحة النفسية.
“البيانات لم تُظهر أن اللعب أكثر يعني شعورًا أفضل أو أسوأ،” كما أوضح الباحث الرئيسي نيك بالو. يبدو أن التجربة الشخصية وجودة التفاعل مع اللعبة أهم بكثير من الوقت.”
بدلًا من الوقت، حدّد الفريق البحثي عاملاً آخر يُعد أكثر تأثيرًا: مدى ملاءمة الألعاب لحياة اللاعب، وهو ما أطلقوا عليه اسم “Play-Life Fit”. طُلب من المشاركين تقييم ما إذا كانت عادات لعبهم تُكمل حياتهم اليومية أو تتعارض معها — مثل علاقتهم بالعمل أو الدراسة أو العائلة.
كانت النتيجة حاسمة: اللاعبون الذين شعروا بأن الألعاب تُضيف قيمة إيجابية إلى حياتهم سجّلوا مستويات أعلى بكثير من الرضا والسعادة النفسية، بغضّ النظر عن عدد الساعات التي أمضوها في اللعب.
بمعنى آخر، ليست مدة اللعب هي ما يهم، بل طريقة دمجه في نمط الحياة.
هل تجعلنا الألعاب أكثر سعادة؟
لطالما شكّل “وقت اللعب” محور النقاش في الأبحاث والسياسات العامة، بدءًا من الرقابة الأبوية ووصولًا إلى القيود الحكومية على الألعاب في بعض الدول.
لكن الدراسة الجديدة تُشير إلى أن التركيز على الوقت وحده قد يكون مضللًا، وأن جودة التجربة وسياقها الاجتماعي والنفسي تستحق اهتمامًا أكبر بكثير.
فقد يُؤدي اللعب لفترات قصيرة إلى إرهاق إذا كان يُستخدم كوسيلة للهروب من الواقع، في حين قد يُمارسه آخرون لساعات طويلة بوصفه نشاطًا اجتماعيًا مبهجًا يعزز التواصل أو الإبداع.
رغم قوة منهجها، أقرّ الباحثون بعدة قيود: البيانات اقتصرت على ألعاب نينتندو فقط، ما يعني أن 37% من وقت اللعب الفعلي في المنصات الأخرى لم يُدرج.
المشاركون كانوا بالغين أمريكيين، غالبيتهم من اللاعبين غير المنتظمين، مما يجعل تعميم النتائج على الفئات الأصغر سنًا أو على اللاعبين المتفرغين أمرًا بحاجة لمزيد من البحث.
كما أن مقاييس الرفاهية جُمعت في لحظة زمنية واحدة، مما يمنع تتبّع التغيّرات طويلة الأمد.
ومع ذلك، تظل الدراسة خطوة مهمة نحو فهم أكثر توازنًا للعلاقة بين الألعاب والعقل الإنساني.
خلص الباحثون إلى أن التركيز المستقبلي يجب أن ينتقل من "كم نلعب" إلى "كيف ولماذا نلعب" ويقترحون أن يُركّز الأطباء والآباء وصنّاع السياسات على جودة تجربة اللعب وسياقها الاجتماعي والعاطفي بدلاً من فرض قيود زمنية جامدة.
فقد يكون السؤال الأكثر واقعية هو: هل تجعلنا الألعاب أكثر سعادة واندماجًا في حياتنا، أم أنها تعزلنا عنها؟
