بين الكمال والواقع: أسرار علاقة زوجية متوازنة بعيدًا من التوقعات المثالية
من الجميل أن نطمح للتميّز والكمال، إلا أن الحقيقة البديهية تظل قائمة: لا شيء يمكن أن يصل إلى المثالية المطلقة.
وإذا كان الأمر متعلقًا بالعلاقات الإنسانيّة، بل بأعظم العلاقات وهي العلاقة الزوجية، التي تقوم على زوجين، لهما من الصفات الإيجابية والسلبية ما لهما، يخطئان حينًا ويتصرّفان بطريقةٍ صحيحة حينًا آخر، فإنّ الكمالية أو المثالية قد تكون مُدمِّرة للعلاقة.
فالخطأ يقع من وقتٍ لآخر، وما لم يكُن صدر الشريك رحبًا لهذه الأخطاء، بل يكون شديد النقد حال وقوع أي خطأ، بسبب المعايير العالية والتوقعات غير الواقعية، فكيف تستمر العلاقة؟ وإذا استمرّت، كيف يكون حال الشريك الذي يتعرّض للنقد ومُستنزَف باستمرار؟ وعلى كل حال، كيف يعيش الزوجان بسعادة بعيدًا عن الكمالية وقريبًا من الواقعية التي تعزِّز الحب بينهما؟
الكمالية في العلاقة الزوجية
الكمالية في العلاقة تعني وجود شخص أو كلا الزوجين، يضع معايير عالية، ليس فقط لنفسه ولكن لشريكه أيضًا والعلاقة كلّها، ومن المحتمل أن ينبع هذا الدافع نحو الكمال من خوفٍ عميق من الفشل أو الرفض، ما يدفع السّاعي للكمال إلى محاولة بلوغ أفضل شيء، وهو بعيد المنال من الحقيقة.
صحيحٌ أنّ السعي إلى التميز أو المثالية قد يكون مثيرًا للإعجاب، لكن استمرار العلاقة على هذه الوتيرة، قد يجعل الشريك يشعر بأنّه تحت التدقيق المستمر أو أنّه غيرُ كفءٍ مهما فعل.
فالكمالية مرهقة للعلاقة الزوجية، بسبب وضع توقّعات غير واقعية، بالإضافة إلى النقد المستمر، لأنّك تكون قد ألزمت نفسك وشريكك بمعايير عالية، غالبًا ما تؤدِّي إلى الاستياء، وربّما تضرّ بالثقة أيضًا.
كيف تترك الكمالية بصمتها في العلاقة الزوجية؟
قد تكون العلاقة مع شريك يسعى إلى الكمال أمرًا صعبًا، ليس لأنّ الشريك غير محبوب، بل لأنّ توقعاته عالية جدًا، بما يمكن أن يكون له تأثير مضاعف على العلاقة، إذ قد تجد نفسك وحيدًا، خاصةً إذا كانت زوجتك مستهلكة بالفعل بالسلوكيات التي تسعى إلى الكمال، فهناك عِدّة طرق تؤثِّر من خلالها الكمالية في العلاقة الزوجية، والتي تضمّ حسب موقع "Verywell Mind":
1. نقد الشريك
الشخص الذي يسعى إلى الكمال يعيش مع صوت داخلي ناقِد طوال حياته، ويراقِب نفسه باستمرار، وبالتأكيد لن يسلم الشريك من ذلك أيضًا، إذ يتعلّم الشخص المثالي كيفية التخفيف من مخاوفه من خلال الأداء الجيد وبذل قصارى جهده لتجنّب الأخطاء.
هذا قد يكون جيدًا من ناحية، لكن حالة النقد المستمر التي تنجم عن السعي إلى الكمال تضرّ الشريك بلا شك، خاصةً في الأماكن العامة إذ قد يكون المثاليّ شديد الوعي بسلوكه وسلوكك، ومِنْ ثمّ يُسرِع إلى النقد، بما قد يتضمّنه من إشارة إلى الخطأ أو التعليق على الطريقة التي يجب أن تتصرّف بها، وربّما لا يستحق الأمر ذلك.
2. الخوف من الحميمية
إذا كان المرء شديد الانتقاد لنفسه، فإنّه يصبِح أقل وعيًا باحتياجاته وعواطفه، بل يكون تركيزه صارمًا على تجنّب الألم إلى الحد الذي يفقد فيه الشخص المثالي الإحساس بما يخلق الارتباط العاطفي بالفعل ويحافظ عليه.
وهذا يمكن أن يترك الشريك يشعر بالوحدة في العلاقة، كما قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على المثالي أن يكون لديه اللغة اللازمة لمشاركة تجاربه العاطفية مع شريكه.
فالمثاليّ يحاول تجنّب الشعور بالضعف من خلال التحكّم في سلوكه وأدائه، وإنّ القُرب من شخصٍ ما عاطفيًا أو جسديًا، يمكن أن يهدّد سلامته العاطفية بشكلٍ كبير.
وبالنسبة لهم، فإنّ فكرة السماح لشخص ما بالاقتراب، قد تبدو لا تُطاق، حتى عندما يحبّون شريكهم بشدة.
اقرأ أيضًا:لماذا يحدث الانفصال بعد الخمسين؟ كيف تتجنب "الطلاق الرمادي" وتحافظ على دفء العلاقة؟
3. الانفعالية
ينتقد المثاليّ نفسه بشدة لدرجة أنّ أي ملاحظة أو نقد، خاصةً فيما يتعلّق بخطأ أو تصحيح في أدائهم بمهمة أو مهارة، قد يشعر به بعُمق على أنّه رفض له.
فالمثالي ينطلق من مبدأ أنّه يستحق الحب والتواصل فقط عندما يتصرّف بشكلٍ مثالي، لذا فإنّ مشاركة الملاحظات مع زوجتك التي تسعى إلى الكمال، قد يؤدي إلى اتّخاذ موقفٍ دفاعي وردود أفعالٍ انفعالية.
ورَدُّ الفعل ذلك غير سارٍّ بالنسبة للشريك، إذ قد يجد شريك الشخص المثالي نفسه يشارك تجارب عاطفية أقل، أو يمتنع عن مشاركة الآراء، أو لا يشعر أنّه قادر على المساهمة بشكلٍ متساوٍ في المحادثة مع الشريك المثالي.
أمثلة على الكماليّة في العلاقة الزوجية
قد لا تدرك شكل الكمالية أو المثالية في العلاقة الزوجية، وربّما تكون أنت من يسعى إلى الكمال، بما يجعل الزوجة تحت ضغطٍ مستمر، لذا فيما يلي أمثلة على صورة الكمالية في العلاقة الزوجية، حسب موقع "Marriage":
1. الشريك "غير الجيد بما فيه الكفاية"
هل تنتقد زوجتك باستمرار، حتى لو كان ذلك بسبب زلّات بسيطة؟ ربّما تعاملت مع غسالة الأطباق بشكل خاطئ أو نسيت تنظيف ملابسك. السعي إلى الكمال، قد يجعلك شديد الوعي بالعيوب، ما يؤدِّي إلى انتقاد مستمر واقتراحات لا تنتهي للشريك.
وهذا قد يؤدي إلى شعور الزوجة بالاستياء وعدم الكفاءة، وربّما انهيار ثقتها بنفسها، بما ينذِر بانهيار العلاقة بينكما.
2. بطاقة نتائج العلاقة
غالبًا ما يكون لدى المثاليّ قائمة مرجعية ذهنية، لما يجب أن تبدو عليه العلاقة "المثالية"، وهذا قد يؤدي إلى مقارنات مستمرة مع نسخ مثالية من الحب أو مع الأزواج الآخرين.
فمثلًا قد يتساءل المثالي: "لماذا لسنا مغامرين مثلهم؟" أو "اعتادت زوجتي السابقة دائمًا على…"، فهذه أمثلة على ما تعنيه بطاقة نتائج العلاقة، فهي ليست توقّعات غير واقعية فحسب، بل أيضًا تمنعك من تقدير الجمال الفريد في العلاقة الحالية.
3. الشريك الذي يُضخِّم الخلافات
الخلافات أمر لا مفر منه في أي علاقة، لكن الكمالية قد تحوّل الخلافات الصغيرة إلى كوارث كبرى، فالشخص الذي يسعى إلى الكمال يرى أي خلاف كعلامة على عدم التوافق أو الفشل، مما يؤدِّي إلى سلوكٍ دفاعي أو حاجة مهووسة إلى الفوز في كل حجة أو جدال، وهذا ليس صحيًا للعلاقة بين الزوجين بالطبع.
اقرأ أيضًا:كيف تعيد بناء الثقة مع زوجتك بعد النزاعات؟ نصائح لعلاقة أكثر نضجًا واستقرارًا
كيف يحقق الزوجان التوازن بين الواقعية والكمالية؟
السعي إلى المثالية في كل شيء أمر مميز بلا شك، لكن في النهاية الزوجان بشر، لكل منهما أخطاء، ومن المستحيل أن تكون العلاقة خالية من الأخطاء، بل ينبغي التحلِّي بالواقعية في التعامل بين الزوجين، وأن تكون التوقعات واقعية، لا ترهِق أيًا من الشريكين، في سعي لإرضاء الآخر الذي لا يرضى بسبب توقّعاته غير الواقعية، لذا فيما يلي بعض الاستراتيجيات للتغلب على الكمالية وعيش حياة زوجية واقعية:
1. رصد السلوك المثالي عندما يظهر
الكمالية قد تكون خفية غير واضحة للجميع، إذ يمكن أن تتسلّل إلى أفكارك وأفعالك دون أن تدرك ذلك، لذا حاول أن تنتبه إلى الوقت الذي تنتقد فيه شريكك بإفراط أو تتوقّع الكثير منه، واسأل نفسك: هل هذا توقّع واقعي؟
وبمجرد أن تبدأ في ملاحظة هذه الأنماط، يمكنك التفكير بشكلٍ أفضل، والتعامل مع الأخطاء أو العيوب بشكلٍ أفضل بدلاً من التوقعات غير الواقعية.
2. التركيز على التقدّم لا المثالية
بدلاً من الانشغال بأن يكون كل شيء مضبوطًا بنسبة 100%، احتفل مع زوجتك بالإنجازات الصغيرة في علاقتكما، فالتقدّم هو المطلوب، سواء كان ذلك من خلال تعلّم كيفية التواصل بشكلٍ أفضل، أو النموّ معًا خلال الأوقات الصعبة.
فعندما تغيّر طريقة تفكيرك من البحث عن الكمال إلى تقدير النمو، ستشعر أنت وشريكك بمزيد من الدعم، ما يعزِّز العلاقة بينكما، بدلاً من السيف المُسلَّط على الشريك باستمرار.
3. وضع حدودٍ صحية للتوقعات
غالبًا ما تنهار العلاقة بسبب الكمالية نتيجة التوقعات المرتفعة جدًا، لذا ينبغي للزوجين تعلّم وضع حدود واقعية لتوقعاتهم، فلا ينبغي أن يتوقعا أن يلبِّي الشريك جميع الاحتياجات أو أن يكون خاليًا من العيوب في كل موقف، بل يجب التركيز على ما هو مهم حقًا، وبعد كل شيء، لا بأس إذا لم تسر الأمور دائمًا على ما يُرام، فهذا هو الطبيعي.
4. التعاطُف مع الذات
المثالي يقسو على نفسه كثيرًا، وكيف يمكن له أن يكون لطيفًا مع شريك حياته إذا لم يكُن لطيفًا مع نفسه؟! لذا فإنّ التعاطف مع الذات يسمح لك بمسامحة نفسك على الأخطاء، وهذا سيمتد إلى تعاملك مع الزوجة أيضًا، فلا بأس بتذكير نفسك أنّه لا مشكلة من ارتكاب الأخطاء من وقتٍ لآخر، طالما لم تكُن مقصودة.
