لماذا يحدث الانفصال بعد الخمسين؟ كيف تتجنب "الطلاق الرمادي" وتحافظ على دفء العلاقة؟
بحلول عام 2019، ارتفعت نسبة الطلاق عالميًا بعد بلوغ 50 عامًا من العُمر نحو 36%، وربّما كان الظنّ أنّ الطلاق غالبًا ما يقع في سنوات الزواج الأولى لقلة الخبرة وعدم نضج الزوجين.
لكنّ الارتفاعات الأخيرة في الأرقام أكدت أن كبار السن أيضًا قد يكونون أكثر عرضةً للطلاق، رغم التجارب المشتركة التي عمّقت ذاكرة الحب بينهما، وهو ما يُعرَف بـ"الطلاق الرمادي"، فما أسباب حدوثه وما نتائجه؟ وكيف تستمرّ علاقتك مع زوجتك في سعادة حتى مع تقدُّم العُمر؟
ما هو الطلاق الرمادي
يُطلَق "الطلاق الرمادي" على الطلاق أو الانفصال في وقت لاحق من الحياة، عادةً في سن الخمسين أو أكثر، أو الأزواج الذين يميلون إلى الطلاق بعد علاقة طويلة الأمد لسنوات أو حتى عقود.
وفي حين أنّ الأزواج الأصغر سنًا غالبًا ما يطلّقون بسبب الخيانة أو سوء المعاملة، أو المشكلات المالية أو نقص الخبرة في العلاقات، فإنّ الأزواج الأكبر سنًا يميلون إلى الطلاق بسبب مجموعة واسعة من المشكلات تتراكم على مرّ السنين.
مدى شيوع الطلاق الرمادي
في دراسةٍ نشِرت عام 2022 في دورية "The Journals of Gerontology"، تبيّن أنّ معدّلات الطلاق بين البالغين في منتصف العمر وكبار السن، قد زادت منذ عام 1970.
فقد كان الطلاق الرمادي نادرًا نسبيًا في عام 1970، ولم ينمو بشكلٍ كبير حتى جاء عام 1990، حيث انتهت 8.7% من الزيجات بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا بالطلاق، وبحلول عام 2019، ارتفعت هذه النسبة إلى 36%.
وحسب إحصائيات مركز "Pew Research"، فإنَّ 34% من حالات الطلاق الرمادي تحدث بين أزواج متزوجين منذ 30 عامًا على الأقل، و12% تحدث بين أزواج متزوجين منذ 40 عامًا أو أكثر.
أسباب الانفصال بعد الخمسين
تختلف أسباب الانفصال بين الزوجين بعد بلوغ الخمسين، حسب التحدّيات التي تواجههما في العلاقة، وفيما يلي بعض العوامل التي قد تسهِم في الطلاق الرمادي:
1. متلازمة العشّ الفارغ:
يترك الأطفال فراغًا كبيرًا بعد مغادرتهم المنزل، بما يُحدِث تحوّلًا كبيرًا في العلاقة بين الزوجين، وهو ما قد يؤدي أحيانًا إلى ما يسمّى بـ"متلازمة العش الفارغ".
فقد يجد الأزواج بمجرد ابتعاد أطفالهم عن العيش في المنزل، أنه لم يعد لديهم الكثير من القواسم المشتركة خارج أدوارهم كآباء، ما قد يجعل التواصل بينهم صعبًا؛ وبالنسبة لكثير من الأزواج، يُعدّ الأطفال مصدر ارتباطهم بالشركاء، وعندما يدرِك بعض الأزواج أنه لم يعُد هناك ما يتشاركان الاهتمام به، فقد يكون الانفصال هو الخيار المتاح.
2. المشكلات المالية:
لا تقتصر المشكلات المالية على بداية الزواج فحسب، بل قد تحدث في أي مرحلة من الحياة بين الزوجين، بل يمكِن أن تصبِح الخلافات حول المال أكثر وضوحًا مع اقتراب الأزواج من سن التقاعد، ويصبِح من الصعب الوصول إلى أرضية مشتركة بينهما.
كذلك يمكِن أن تؤثر الخيانة المالية، مثل إخفاء الفواتير أو المشتريات الكبيرة، أو الديون، أو الحسابات المصرفية السرية، أيضًا في استقرار الزواج طويل الأمد.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن للرجل الاستشفاء من الطلاق وبدء حياة جديدة؟
3. تغيّر الأولويات:
الشيخوخة هي تغيير كبير بحد ذاتها، ومِنْ ثمّ فقد تتغير الأولويات والاهتمامات والاحتياجات مع التقدم في العمر، وربّما يصبِح بعض الأزواج أقرب إلى بعضهم خلال هذا الوقت عن أي وقت مضى، لكن قد يجد البعض الآخر أنّ أولوياتهم مختلفة للغاية، فيميل أحدهما أو كلاهما للابتعاد، واختيار مسارات منفصلة عن الآخر.
4. تغيّر التوقّعات:
تتغير توقعاتنا بشأن ما نعدُّه زواجًا صحيًا ومُرضيًا بمرور الوقت، واليوم أصبح الأزواج أكثر ميلًا إلى التركيز بشكل أكبر على كيفية تأثير العلاقة عليهم، بما في ذلك ما إذا كانت تسهِم في سعادتهم وتحقيق ذواتهم أم لا.
وعندما تتغير العلاقة أو توقعات أحد الزوجين، فقد لا تلبّي الحياة الزوجية هذه المعايير، ومِنْ ثمّ فقد يختار أحد الزوجين الانفصال وإنهاء العلاقة.
5. خلافات لم تُحل:
قد تؤدي الخلافات طويلة الأمد التي لم تُحلّ بين الزوجين إلى انفصالهما في هذا السن، وربّما يكون ذلك بسبب شعور أحدهما أو كليهما بأنّ الوقت ينفد، خاصةً خلال السنوات الأخيرة من العُمر، ومِنْ ثمّ فإنّ الأمور التي كانت في السابق مقبولة، قد تكون الآن لا تُطاق بالنسبة لأحد الزوجين.
هل النساء أكثر طلبًا للطلاق؟
توضِّح "كيت إنجلر"، المرخصة كمُعالجة أزواج ومعالجة جنسية في مركز "Three Point Relationships"، أن "غالبية حالات الطلاق تبدأ من قِبل النساء، وهذا ينطبق على الطلاق الرمادي أيضًا".
كما أضافت: "في السنوات الخمسين الماضية، اكتسبت المرأة قدرًا أكبر من الاستقلال الاقتصادي، وحافظت على حياتها المهنية. وقد أدى هذا إلى إيجاد المزيد من الخيارات أمام النساء على العديد من الجبهات، بما في ذلك اتخاذ قرار الانفصال".
اقرأ أيضًا:بداية الحياة الزوجية.. أسرار رحلة زواج لا تنتهي بالطلاق
نتائج الطلاق في سن متأخر
لن يكون الطلاق في سن متأخر سعيدًا على أي من الزوجين غالبًا، بل قد تكون آثاره العاطفية عميقة، فهو تغيير كبير في سنٍ كبير، وربما يكون أصعب، خاصةً بعد زواج استمرّ لفترة طويلة، وفيما يلي بعض الآثار النفسية والعاطفية الناجمة عن الطلاق الرمادي:
1. الحُزن:
من الطبيعي أن يشعر الناس بالحزن والخسارة عندما يتخلّون عن التواصل والأحلام والآمال التي تقاسموها مع شركائهم ذات يوم، وبالنسبة لبعض الأشخاص، فإنّ تلك التجربة قد تكون شبيهة لحد كبير بتجربة وفاة أحد الأحباء، ما يعني أنّ مشاعر الحُزن قد تهيمن على المرء لغياب الشريك الذي اعتاد مشاركته كل شيء.
2. التوتر والاكتئاب:
قد يضر الطلاق الرمادي الصحة النفسية، بما قد يسبّب التوتر أو القلق أو الاكتئاب، بل قد يشعر بعض الأشخاص بأنّهم صاروا بلا هدف، أو بأنّهم صاروا وحيدين أو بأنّهم ليسوا جزءًا من المجتمع، وهذه التأثيرات أشدّ إذا لم يكن الشخص يرغب في الانفصال.
3. الوحدة والعزلة:
كبار السن على وجه الخصوص أكثر عرضة للشعور بالوحدة مع تقدّمهم في السن، والطلاق في أواخر العمر، قد يزيد الأمر سوءًا، ففقدان الشريك، وتحدّيات التكيف مع الحياة كشخص أعزب، يمكِن أن تجعل الشخص يشعر بالوحدة.
كذلك فإنّ العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، تزيد خطر الإصابة بمشكلات صحية، مثل الخرف، مرض الشريان التاجي، السكتة الدماغية.
4. فقدان الهوية:
قد يكون فقدان الهوية أيضًا نتيجة للطلاق الرمادي؛ إذ يضطر المرء للتعامل مع التغييرات في إحساسه بذاته، وإيجاد طريقة لإعادة تعريف نفسه خارج إطار الزواج، ومِنْ ثمّ فقد يتأثّر احترام الشخص لذاته أو قيمته الذاتية، وربّما يعانِي مشاعر عدم الكفاءة والرفض.
اقرأ أيضًا:تعرف على الخلافات الـ 9 التي تؤدي للطلاق في السعودية
كيف تتجنب الطلاق الرمادي؟
يرتبط الزواج عمومًا بالصحة الأفضل، إذ يميل الأشخاص المتزوجون إلى أن يكونوا أكثر صحة ويعيشون لفترة أطول من غير المتزوجين، وفيما يلي بعض النصائح لتجنّب الطلاق في سنٍ متأخر:
1. تذكّر ما جعلك تحب زوجتك:
عندما تعيش مع شخص ما لسنوات عديدة، قد لا ترى صفاته الإيجابية جيدًا، وتركّز بدلًا من ذلك على الأمور المزعجة، لكن الأمور لم تتغير كثيرًا عن أول مرة وقعت في حب زوجتك، لكنك ربما اعتدت فقط صفاتها الإيجابية، فلم تعُد ترى ما هو جيد بعناية، لذا حاوِل دائمًا أن تتذكّر سبب وقوعك في حبها لأول مرة، وما وجدته جذابًا فيها ولم يكُن في غيرها، فهذا بالتأكيد سيساعد على استمرار العلاقة بينكما.
2. التجديد في العلاقة:
رغم أنّ الزيجات الطويلة، تعني سنوات عديدة من التجارب المشتركة التي تقرّبكما من بعضكما، فإنّ هناك خطر الروتين الذي قد يجعل حياتكما مملة للغاية، ومِنْ ثمّ فقد تكون علاقتكما بحاجةٍ إلى تغيير أو بالأحرى تجديد، فالتجارب الجديدة تعزّز العلاقة بينكما.
وحسب جامعة هارفارد، عندما تقع بالحب، فإنّ الأفكار المستمرة والإثارة بشأن شريكك الجديد، يمكن أن تغمر دماغك بالدوبامين والنورأدرينالين، وهي نفس المواد التي يطلِقها الدماغ عندما تجرّب نشاطًا جديدًا، لذا لماذا لا تعزّز هرمونات السعادة تلك بينك وبين زوجتك بالخروج في أماكن جديدة أو تجربة شيء جديد لم تجرّباه من قبل؟
3. اهتمّ بزوجتك:
تذكّر أيام الزواج الأولى أو عندما وقعت في حب زوجتك لأول مرة، كم كُنت فضوليًا بشأنها في هذا الوقت، وبالتأكيد فقد فقدت ذلك الفضول مع الزواج لفترةٍ طويلة، لكنّ الهدف ليس هو الفضول ذاته، وإنّما إظهار الاهتمام بها دائمًا، والاستماع إليها بشكلٍ أكبر، والتجاوب معها فيما تقوله، فهذا سيفتح الطريق نحو علاقة سعيدة تدوم إلى الأبد.
