محمد نصار يكتب : أنت لست وحيدًا
في زمن الاتصال الدائم، تذبل كثير من العلاقات بصمت لا بسبب الخلافات، بل بسبب الجمود.
لا يزال الناس يلتقون، ويتبادلون الرسائل، ويتناولون الطعام معًا. لكن في مكانٍ، توقفوا عن الحضور الحقيقي.. باتوا معًا… لكنهم في الحقيقة، وحدهم.
نحن اليوم ننتظر من التكنولوجيا أكثر… ونتوقع من بعضنا أقل وهذا ما جعلنا نعيش وهم القرب، بينما نفتقد جوهر اللقاء، هو ذاك الفرق بين أن تجلس بجانب شخص، وأن تجلس معه، ليس فرقًا في المكان… بل في النية.
وهذا ما نفعله غالبًا دون أن نلاحظ، نتقاسم الأريكة، أو السرير، أو طاولة الطعام لكن لا نتقاسم اللحظة. نتحدث بسطحية، نضحك بشكل تلقائي، نُحدّق في هواتفنا أكثر من وجوه أحبابنا.
اقرأ أيضًا: محمد نصار يكتب : حين تصبح اللعبة حياة
نبدو كأننا ما زلنا نحب، لكن الحقيقة؟ نحن فقط نُعيد تشغيل الشريط القديم كل يوم، ما يربطنا لم يعد الحب، بل العادة.
أن نجلس معًا فذلك فعل واعٍ يحتاج إلى أن تُنزل الهاتف.. أن تنظر إلى عين حبيبك.. أن تسمعه… لا ما يقوله فقط، بل ما يسكت عنه.. أن تصغي إليه كما لو كنت تتعلم لغة جديدة. أن تجلس مع من تحب يعني أن تمنحه أثمن ما لديك: انتباهك.
وكما يُقال الانتباه هو أندر وأصفى أشكال الكرم.. فأن تجلس مع شخص: صديق أو حبيب يعني أن تقول لنفسك بصمت:
"أنا لا أراك مجرد رفيق مألوف… بل شريك ما زلت أريد اكتشافه".
أنا أرى أن ما يميت العلاقات اليوم ليس الصراخ… بل الصمت البارد الذي لا يقول شيئًا… فالعلاقات لا تنهار بسبب الأحداث الكبرى، بل بسبب آلاف اللحظات الصغيرة التي نختار فيها ألا يلتفت بعضنا لبعض، فأعمق حب هو أن تقول لشخص: أنت لست وحيدًا. لذلك إن أجمل ما تستطيع أن تقدمه لمن تحب هو حضورك الحقيقي.
فلنجلس مع من نحب… لا بجانبهم فقط.
