محمد نصار يكتب : حين تصبح اللعبة حياة
كان يُنظر إلى اللعب أمام الشاشة لوقت طويل كنوع من التسلية الفارغة، وربما كسلوك يجب الحد منه، لكن ما كان يُعد بالأمس ضياعًا للوقت، صار اليوم مجالًا مهنيًّا ومسارًا تنافسيًّا وفرصة حقيقية لتحقيق الذات، فقد تحولت الألعاب الإلكترونية إلى عالم كامل له بطولات وقوانين وجمهور يتابع كما تتابع المباريات الكبرى.
هذه التحولات لا تخص التكنولوجيا وحدها بل تمس مفاهيم أعمق، ما هو العمل؟ ما معنى النجاح؟ وهل الجد نقيض اللعب فعلًا؟ ما كان يُعد عبثًا أصبح يدر دخلًا ويخلق فرصًا بل يشجع عليه أحيانًا أكثر من بعض المهن التقليدية.
وفي هذا السياق نلحظ أن السعودية من بين الدول التي تعاملت مع هذه الظاهرة بواقعية، لم تغرق في التهويل ولا التهوين، بل سعت إلى تنظيم هذا المجال ودعمه ضمن رؤية تستوعب اهتمامات الشباب وتعيد توجيهها نحو مجالات منتجة. ما نراه اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل تأسيس لمسار طموح يضع العاصمة الرياض في قلب المشهد العالمي للرياضات الإلكترونية، في سياق يعكس محاولة للفهم بدل الرفض، وللاحتواء بدل القطيعة.
اقرأ أيضًا: محمد نصار يكتب : حين تستيقظ الروح في ملامح الأشياء
وهنا يحضرني ما قاله الفيلسوف المعاصر ميشيل فوكو: التغيير لا يحدث بالقوانين فحسب بل بطريقة حديثنا عن الأشياء، عندما يتغير الخطاب يتغير المعنى، لم تعد الألعاب مجرد وسيلة للهرب، بل أصبحت ساحة للتحدي والتعلم وبناء العلاقات، تغيرت نظرتنا فصار اللعب جزءًا من الواقع لا نقيضًا له.
ومع هذا كله لا تعني مسايرة العصر أن نوافق على كل جديد دون تروٍّ لكن الرفض الأعمى لا يفيد، كما أن القبول الساذج لا يصنع وعيًا، المطلوب أن نفهم، أن نطرح الأسئلة، وأن نترك مساحة للتجربة.
العالم يتبدل بخطى سريعة وما نظنه غير منطقي اليوم قد يكون هو المنطق السائد غدًا، والمرونة في التفكير لم تعد ترفًا بل ضرورة لفهم الذات والزمن معًا.
