المبتكرة السعودية جمانا اللاحم لـ"الرجل": وطننا وقيادتنا يوفران دعمًا كبيرًا للابتكار والبحث العلمي
في مساحةٍ يلتقي فيها الخيال بالتكنولوجيا، استطاعت جمانا اللاحم، طالبة العلاج الطبيعي بجامعة الجوف أن تعيد تعريف حدود العلاج الطبيعي، بابتكارها تقنية واقع افتراضي تحوّل رحلة المريض من ألمٍ وإرهاق إلى تجربة تفاعلية مليئة بالدافعية والتحفيز.
هذا المشروع لم يكن مجرد ابتكار تقني، بل نافذة جديدة فتحتها جمانا لآلاف المرضى نحو أملٍ أوسع في التعافي السريع والفعّال.
وبين رؤية مبتكرة وطموح لا يعرف المستحيل، نسجت جمانا، التي تشغل منصب رئيسة نادي التأهيل بالجوف، قصة نجاح تستحق أن تُروى، فهي لم تكتفِ بكسر المألوف في عالم الصحة، بل قدّمت نموذجًا مُلهمًا للشباب العربي حول كيفية تلاقي التكنولوجيا بالإنسانية.
منصة "الرجل" التقت بالمبتكرة جمانا اللاحم، لتستعرض معها تفاصيل رحلتها، والتحديات، فكان هذا الحوار:
بدايةً، من هي جمانا اللاحم بعيدًا عن الدراسة والابتكار؟ وكيف تختصرين مسيرتك حتى الآن؟
أنا جمانا اللاحم، منذ صغري أحب مساعدة الناس، حيث زرع والدي -رحمه الله– حب الخير بداخلي، وكانت والدتي الداعم الأول لي، وهي من تدفعني دائمًا لأن أكون أفضل، وأن أصل بطموحى للأعلى.
بدأت مسيرتي منذ المرحلة الابتدائية بالمشاركة في تحدي القراءة العربي، ثم تابعتها كإحدى طالبات "موهبة" من خلال الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي، كما شاركت في عدد من الهاكاثونات، وتم قبول جميع مشاركاتي لأصالة الابتكار.
اقرأ أيضًا: أمل جديد لمرضى سرطان البروستاتا: نصف جرعة العلاج كافية
كما شاركت بالملتقى العلمي الرابع عشر بجامعة الجوف، ووفقني الله للفوز، مما أضاف لي تجربة قيمة ومسارًا محفزًا للاستمرار.
وعلى الجانب التطوعي، كنت عضوًا في أندية التطوع، وكنت رئيسة نادي تأهيل "نادي العلاج الطبي والتأهيل الصحي"، بينما أشارك في الأنشطة الطلابية وكل ما يسهم في خدمة المجتمع.
لذلك، أرى أن رحلتي حتى الآن هي ثمرة مزيج من الشغف، والدعم الأسري، والإيمان بأن كل تجربة صغيرة تقودنا نحو إنجاز أكبر، ومسيرتنا لا تختصر إلا بالطموح الذي نحمله أنا وزملائي اليوم.
ولعل ما يميز مسيرتي، أنها لم تقتصر على الدراسة الأكاديمية فقط، بل شملت العمل التطوعي والمبادرات الطلابية التي صقلت شخصيتي، فأنا أوْمن بأن النجاح لا يصنعه إنجاز واحد، بل تراكم تجارب وخبرات تجعل من الإنسان أكثر وعيًا واستعدادًا للخطوة التالية.
ما الذي جذبكِ لتخصص العلاج الطبيعي وجعلكِ تختارين هذا المجال بالتحديد؟
اخترت العلاج الطبيعي لأنه يجمع بين العلم والإنسانية؛ هو تخصص يساعد الناس على استعادة حياتهم بشكل عملي وملموس، فقد جذبني فكرة أن أكون سببًا في عودة المريض لحركته واستقلاليته، وهي بحد ذاتها رسالة نبيلة.
كما أن هذا المجال يلبي شغفي في الجمع بين الجوانب الطبية والنفسية للمريض؛ فالعلاج الطبيعي ليس مجرد علاج للجسد، بل هو دعم نفسي أيضًا، وقد شعرت أنني أنتمي لهذا التخصص لأنه يتيح لي أن أكون قريبة من الناس، وأساهم في تحسين جودة حياتهم بصورة مباشرة.
الشرارة الأولى للابتكار
كيف وُلدت فكرة ابتكار "Patient Future Visualization by VR"؟ وما كانت الشرارة الأولى وراءها؟
الفكرة وُلدت من ملاحظتي أن بعض المرضى يفقدون الحافز بسرعة خلال رحلة العلاج، وتساءلت: ماذا لو استطاع المريض أن يرى نفسه متعافيًا في المستقبل؟
الشرارة الأولى بدأت عندما كنت أستخدم جهاز الواقع الافتراضي (VR) في التجارب الشخصية، ولاحظت شعور الانغماس والواقعية الذي توفره هذه التقنية.
هنا تساءلت: لماذا لا أدمج هذه التقنية مع المجال الصحي؟ حيث أدركت أن الواقع الافتراضي يمكن أن يكون حافزًا بصريًا وعاطفيًا قويًا للمرضى، ويساعد في تعزيز الالتزام بخطة العلاج واستدامة النتائج.
ومع مرور الوقت، تأكدت أن التقنية ليست مجرد أداة ترفيهية، بل يمكن تحويلها إلى وسيلة علاجية تعيد للمريض الأمل، وتجعله أكثر التزامًا بخطته العلاجية، لأنه يرى بعينيه صورة واضحة لمستقبله.
ما أبرز التحديات التقنية أو الأكاديمية التي واجهتكِ عند تحويل الفكرة إلى نموذج عملي؟
أحد أهم التحديات التي واجهتني تمثلت في الجوانب التقنية للابتكار، إذ ما زلت أعمل على تطويرها، وأود أن أعبر عن خالص تقديري وامتناني لجامعتي العزيزة، التي وفرت لي الدعم اللازم والبيئة الأكاديمية المناسبة لتحقيق التقدم والنجاح.
اقرأ أيضًا: وداعًا لحقن التخسيس.. العلاج الجيني يفتح آفاقًا جديدة لعلاج السمنة بشكل آمن
لكن بالرغم من هذه التحديات، أعتبرها جزءًا أساسيًا من الرحلة، فهي تدفعني للبحث أكثر، والتعلم بشكل أعمق، والتفكير في حلول مبتكرة، فالتحدي بالنسبة لي ليس عائقًا، بل فرصة أتعلم منها وأبني بها خبرتي.
كيف يساعد الابتكار فعليًا المريض في الالتزام بخطة العلاج؟ وهل لديكِ أمثلة أو تجارب أثبتت نجاح التقنية؟
يهدف الابتكار إلى إعطاء المريض أملًا، وتعزيز التزامه بخطة العلاج، والمساهمة في استدامة النتائج، حيث يعمل الابتكار كأداة تحفيزية بصرية، تُظهر للمريض صورة مستقبلية أقرب للواقع بعد الالتزام بجلسات العلاج، وهذا يرفع من دافعيته ويعزز التزامه.
وقد لاحظت أن مجرد الحديث عن التقنية يثير فضول المرضى واهتمامهم، فكيف سيكون تأثيرها عند تطبيقها عمليًا، وأنا على يقين أن دمج هذه التجربة البصرية مع العلاج التقليدي سيجعل الالتزام أكبر بكثير.
ما الذي يميز هذه التقنية عن أساليب التحفيز التقليدية التي يعتمدها الأطباء في جلسات العلاج الطبيعي؟
أساليب التحفيز التقليدية تعتمد على الكلام أو المقارنات النظرية، بينما هذه التقنية ستقدم تجربة حسية وواقعية، فالمريض هنا لا يسمع فقط أنه سيتحسن، بل يرى نفسه في وضع أفضل، ولهذا فرق كبير في التأثير النفسي.
وهنا يكمن سر قوة الفكرة، لأنها تجعل المريض يتفاعل مع مشهد شخصي له، لا مع مجرد كلمات عامة، وهذا التفاعل المباشر يزيد من قوة الإقناع والتأثير بشكل كبير.

هل فكرتِ في تطوير الابتكار ليشمل حالات مرضية أخرى غير العلاج الطبيعي؟
أعمل حاليًا على تطوير الجهاز ليصل إلى أعلى مستويات الجاهزية، من حيث الدقة والوضوح في تصور الحالات، بما يتيح إمكانيات أوسع لتطبيقه على مختلف الحالات المرضية مستقبلاً، فالرؤية المستقبلية للابتكار أن يكون أداة متعددة الاستخدامات، يمكن أن يستفيد منها أي مريض يحتاج إلى تعزيز دافعيته في أي مرحلة علاجية أو إعادة تأهيل.
الابتكار ورؤية المملكة 2030
كيف ترين حجم الدعم الذي تقدمه المملكة وقياتها للشباب والمبتكرين؟
الدعم الذي نعيشه اليوم لا محدود، القيادة الحكيمة جعلت الابتكار جزءًا من رؤية المملكة 2030، وفتحت الأبواب أمام الشباب ليكونوا قادة للمستقبل؛ الدعم يبدأ معنا من بداية حياتنا، من التعليم وصولًا إلى فتح الأبواب للابتكار والبحث ومتابعة الطموح إلى أبعد مدى، نحن باختصار نعيش في زمن نُعطى فيه الفرص، وتُصنع لنا المنصات، وهذا شيء عظيم نفتخر به.
ولعل أجمل ما في هذا الدعم أنه عملي وملموس، فنحن نرى نتائجه في حياتنا اليومية، من خلال المبادرات والبرامج التي تحتضن أفكارنا وتحوّلها إلى مشاريع حقيقية.
كيف انعكس هذا الدعم عليكِ شخصيًا وعلى زملائكِ في مسيرتكم العلمية والبحثية؟
لقد أسهم هذا الدعم بشكل كبير في تعزيز ثقتنا بأننا قادرون على تقديم المزيد بلا حدود، تحت رعاية القيادة الرشيدة والمتابعة الحثيثة من الجامعة.
وعلى المستوى الشخصي، علّمنا هذا الدعم أن لدينا وطنًا يهتم بشعبه، ويلتفت لأي شخص لديه طموح ويرعاه، مما زاد من دافعيتنا وشغفنا بالابتكار والبحث العلمي.
أما على مستوى زملائنا، فقد انعكس هذا الدعم في إطلاق مبادرات وأفكار جديدة تخدم المجال الصحي، وتعود بالنفع على المجتمع بشكل أوسع.
اقرأ أيضًا: من يد التحكم إلى قيادة العالم.. فيصل بن حمران في حوار مع مجلة الرجل (فيديو)
وبصراحة، هذا الشعور بأنك جزء من مشروع وطني كبير هو بحد ذاته قوة دافعة، تجعلنا نؤمن بأن كل جهد صغير نقدمه اليوم سيكون له أثر عظيم غدًا.
ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب السعودي اليوم في رفعة المملكة، خاصة في مجالات الطب والابتكار العلمي؟
نحن رهان ولي العهد –حفظه الله– وكل شاب وشابة في المملكة يحمل جزءًا من هذا المستقبل المشرق، والطموح الكبير الذي بثه فينا، ودورنا أن نعمل بجد، ونستغل كل فرصة، وأن نُثبت أن الشباب السعودي قادر على الريادة في كل المجالات، وأن بإمكانهم قيادة البحث العلمي، والمساهمة في تطوير تقنيات جديدة، وإيجاد حلول لمشكلات صحية واجتماعية.
وهذا الدور يتطلب منا وعيًا ومسؤولية أكبر، لأننا اليوم لا نمثل أنفسنا فقط، بل نمثل صورة المملكة للعالم كله.
ما النصيحة التي تقدمينها لزملائك ممن يطمحون لابتكار حلول تخدم المجتمع؟
نصيحتي لزملائي الطلبة والطالبات أن يعملوا لوجه الله أولًا، وأن يكونوا شغوفين بما يفعلون، وألا يخافوا من التجربة. ابدؤوا دائمًا من احتياجات الناس، فكل ابتكار ناجح ينبع من مشكلة حقيقية.
لا تخافوا من الفشل، بل اجعلوه وقودًا للتعلم، وتحلوا بالصبر والإصرار، فالطريق قد يكون طويلًا لكنه يستحق، والأهم أن ندرك أن وطننا وقيادتنا توفر دعمًا كبيرًا للابتكار والبحث العلمي، مما يمنحنا الفرصة لتحقيق أفكارنا وتحويلها إلى حلول تخدم المجتمع.
وأحب أن أؤكد أن كل فكرة صغيرة تستحق أن تُجرب، فربما تكون هي الشرارة التي تغير حياة إنسان أو تفتح بابًا لابتكار يخدم وطنًا بأكمله.
