لماذا يخاف الرجال من البوح؟ العواقب الخفية للصمت العاطفي

الرجل ليس أقل إحساسًا من المرأة، لكن مُعظمنا ينشأ على عبارات ونصائح قد تكون بعيدة عما يُفترض أن يحدث، مثل: "الرجال لا يبكون"، و"تماسك"، و"كُن قويًا"، وغيرها من هذه الجمل الرنانة التي تجعل الرجال يكتمون مشاعرهم، ومع الوقت يتحول كتمان المشاعر إلى أسلوب حياة، قد يُخلّف آثارًا نفسية وجسدية جسيمة وعلاقات متوترة.

الصور النمطية عن الرجولة والضعف العاطفي

أولى طبقات المشكلة تتمثل في البناء الثقافي للرجولة، فمنذ الطفولة يتلقى الصبي رسائل مباشرة وغير مباشرة بأن إظهار الحزن أو الخوف علامة ضعف، وتُطبع هذه الفكرة في المدرسة والبيت والشارع والإعلام، عبر تمجيد صورة "الرجل الصامت الصلب"، وإحالة التعبير العاطفي إلى الهشاشة.

العبارات الشائعة مثل "شد حيلك" و"خليك راجل" باتت أشبه بالقواعد والمعايير التي يُقيَّم الرجل على أساسها، وكثيرون أصبحوا يرون أن الأبطال الذكور غالبًا بلا دموع، ويجب أن يقاوموا وحدهم دون طلب العون، كصورة نمطية عن الرجولة تتنافي والضعف العاطفي.

الألكسيثيميا كنمط نفسي

بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية، ثمة نمط نفسي يشرح جانبًا من الظاهرة هو "الألكسيثيميا Alexithymia" أو "عمى المشاعر"، وهي عبارة عن حالة يجد الشخص فيها صعوبةً في تحديد ما يشعر به أو وصفه بالكلمات، رُغم أنه يختبر تلك الانفعالات فعليًا. 

الألكسيثيميا لا تعني غياب المشاعر، بل غياب القدرة على قراءتها وترجمتها إلى لغةٍ مفهومة، وغالبًا ما يظهر ذلك لدى أشخاصٍ نشأوا في بيئة لا تُشجع على التعبير العاطفي، أو اعتادوا كبت انفعالاتهم حتى فقدوا القدرة على التمييز بينها.

المشكلة أنه عندما يعجز الدماغ عن ترجمة المشاعر إلى كلمات، يبحث الجسد عن منفذٍ آخر للتعبير، فيتحول القلق أو الحزن أو الغضب إلى أعراضٍ جسدية متكررة، منها الصداع، والشد العضلي، واضطراب النوم أو المعدة، حسبما جاء في تقرير موقع healthline.

وهذا يتسبب بجعل الشخص يعيش إحساسًا عامًا بالانزعاج دون أن يعرف سببه، فيميل إلى الصمت أو الانشغال لتفادي المواجهة، وهذا ينقلنا إلى الاستراتيجيات أو الأفعال التي تبدر من الرجل في التعامل مع مشاعره.

استراتيجيات الرجل في التعامل مع مشاعره

حين يتعذر عن الرجل التعبير عن مشاعره، يبحث عن بدائل، منها المفيد ومنها الضار، مثل:

1. تحويل المشاعر إلى غضب:

شئنا أم أبينا، يُعد الغضب في بعض المجتمعات علامة من علامات القوة، ولهذا عندما يجد الشخص نفسه غير قادر على التعبير عن مشاعره الأصلية أو يخشى رفضها اجتماعيًا، فإنه قد يحولها إلى غضبٍ يفهمه الجميع، فالغضب لغة عالمية لا تحتاج إلى تفسير.

2. الهروب من الواقع:

وذلك بأكثر من طريقة خاطئة؛ البعض يهرب إلى النوم، والبعض يهرب بالإفراط في عادات خاطئة كالتدخين أو استهلاك الطعام، أو حتى استهلاك التكنولوجيا، وغيرها من الوسائل التي تَعِد بإسكات الضجيج الداخلي مؤقتًا، لكنها في الواقع تتسبب في تفاقمه.

3. الانغماس في العمل:

أحيانًا، يتحوّل المكتب إلى ملجأ، وتُستخدم ساعات العمل الطويلة كحاجز يمنع المواجهة، ويبدو صاحبها منتجًا ومنضبطًا، لكنه يبتعد أكثر فأكثر عن ذاته وعلاقاته.

4. ممارسة الرياضة:

هذه واحدة من أكثر الممارسات المفيدة، حيث يلجأ الكثيرون ممن لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم إلى الصالات الرياضية ليخرجوا كبتهم على صورة عضلات.

5. الانسحاب والسخرية والصمت الدفاعي:

بدلاً من قول "أنا متألم"، قد يختار الرجل المزاح اللاذع، أو الانسحاب من الحوار، أو الصمت بوصفه درعًا نفسيًا.

هذه الاستراتيجيات تمنح صاحبها راحة قصيرة الأمد، لكنها لا تُعلمه كيف يعبر عن مشاعره، بل قد تُثبّت لديه فكرته الخاطئة بأنه من الأفضل ألا يُعبر.

اقرأ أيضًا: العلاقة الزوجية في عصر التكنولوجيا: تواصل أذكى أم فجوة أعمق؟

مخاطر الكتمان: من الاكتئاب إلى الأمراض الجسدية

كتمان الرجال للمشاعر النفسية ليس بلا ثمن، فعلى المستوى النفسي يرتبط الكبت بارتفاع ضغط التوتر والقلق وخطر الاكتئاب، فالجهد المطلوب للحفاظ على مستوى البلادة في المشاعر مُنهِك، وقد يقود إلى إنهاك نفسي واحتراق عاطفي وتراجع الرضا عن الحياة، وفي العلاقات يظهر الأثر سريعًا على شكل صعوبة التواصل، أو سوء الفهم، أو غيرهما.

وتتعدّى الآثار المجال النفسي إلى البدن. فالتوتر المزمن يرفع هرمون الكورتيزول ويؤثر في المناعة، ويرتبط بزيادة مخاطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، فيما قد يشتكي البعض من شد عضلي مزمن أو صداع أو اضطرابات هضمية بلا سبب عضوي واضح، وهي طرق الجسد في الشكوى، كما أن الكتمان يفتح الباب أمام سلوكيات مؤذية،  كالإدمان والاندفاع والعدوانية وصولًا إلى إيذاء النفس.

والنتيجة الخفية الأخرى هي العُزلة، فحتى وسط الناس قد يشعر الرجل بأنه "غير مرئي" لأن الجزء الأعمق من تجربته محجوب، ومع تكرار الانسحاب، تُفقَد مهارات الحديث عن الذات، ويصبح الرجوع أصعب.

كيف نكسر دائرة الكتمان؟

1. تحديد الشعور:

اسأل نفسك ما الذي أشعر به الآن؟ هل هو قلق، أم غيظ، أم حزن، أم خيبة، أم إرهاق؟ فوجود قائمة واضحة من المشاعر أمامك قد يساعد، وتحديد الشعور يساعد على خفض حدة الانفعال ويمنح إحساسًا بالسيطرة.

2. التعبير الصريح عن المشاعر:

إذا كنت تشعر بشيء ما، أفصح عنه ببساطة، متوتر من لقاء معين؟ قل "أنا متوتر من هذا اللقاء"، تحتاج إلى ساعةٍ من الهدوء؟ اطلب هذه الساعة، تريد أن تبكي؟ لم لا؟ فقط عبّر عن مشاعرك أيها الرجل، لكن لا تجرح أحدًا.

3. تكوين دائرة أمان صغيرة:

مثل صديق موثوق، أو شريك حياة، أو أخ، أو معالج نفسي، فليس مطلوبًا الحديث مع الجميع؛ المطلوب شخص أو اثنان يُمكن البدء معهم بلا خوف من أن يحكم عليك أحد.

4. ثقف نفسك:

قراءة كتب عن إدارة المشاعر يمكن أن تساعدك وبشدة، صحيحٌ أن التطبيق العملي أفضل، لكن التعلم النظري، باستخدام أي وسيلة وليس القراءة فقط، بديل ممتاز.

5. استبدال الاستراتيجيات المعوقة:

حتى إذا كنت تهرب من مشاعرك إلى شيء مفيد مثل الرياضة أو العمل، فيجب أن تعرف أن هذا ليس حلًا، هذا ليس سوى مخدر سيتسبب بنتائج عكسية مع مرور الوقت، فكن واعيًا بذلك.