دراسة جديدة تفكك أسطورة الذكر ألفا.. من يملك القوة فعليًا؟
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، قام فريق من الباحثين بقيادة الدكتور دييتر لوكاس من معهد ماكس بلانك، والدكتورة إليز هوشارد من جامعة مونبلييه، بتحليل سلوك 151 مجموعة من القردة العليا والتي تشمل البشر والشمبانزي وأنواعًا أخرى من الرئيسيات للكشف عن أنماط القوة والصراع بين الذكور والإناث. النتائج كانت مفاجئة: الإناث تفوّقن في نسبة كبيرة من النزاعات، وسيطرن على قرارات التزاوج، في تناقض واضح مع الصورة النمطية للذكر المسيطر أو "الذكر ألفا".
وبحسب الدراسة، فإن الذكر لا يستطيع فرض التزاوج إذا رفضت الأنثى، وهو ما يمنحها سلطة تفاوضية كبيرة. هذه السيطرة الجندرية لا تقتصر على حالات فردية، بل تُعد نمطًا متكررًا في عدد من الأنواع، وتكشف أن الهيمنة ليست دائمًا حكرًا على الذكور، بل تتشكل بتفاعل معقد بين البيئة والسلوك.
كيف تسيطر إناث القردة على التزاوج والذكور؟
أظهرت النتائج أن القوة لدى الإناث لا تعتمد على التفوق الجسدي بقدر ما ترتكز على التحكم في التزاوج، وهو ما يجعل العلاقة بين الجنسين أكثر توازنًا مما كان يُعتقد سابقًا.
ففي الأنواع التي لا يمكن فيها للذكور فرض التزاوج، تلعب الإناث دورًا محوريًا في تحديد من، ومتى، وكيف يتم ذلك. وإذا أظهر الذكر سلوكًا عدائيًا، بإمكان الأنثى ببساطة أن ترفضه.
كما كشفت الدراسة أن هيمنة الإناث تبرز بوضوح في الأنواع التي تعيش على الأشجار، حيث تكون الفروق الجسدية بين الجنسين ضئيلة، وتكون العلاقات أكثر ميلاً للأحادية. بينما تزداد سطوة الذكور في الأنواع الأرضية ذات النظام التزاوجي التعددي، والتي يتمتع فيها الذكر بحجم أكبر. لكن حتى في تلك المجتمعات، وُجدت استثناءات، كما هو الحال لدى قرود تالابوين، التي تتغير فيها ديناميات السيطرة تبعًا للظروف البيئية.
من يملك القرار في مجتمعات القردة والبشر؟
نتائج الدراسة تعيد طرح السؤال الأزلي حول من يملك القرار في مجتمعات الرئيسيات، ومنها البشر. فبينما يهيمن الذكور على مجتمعات الشمبانزي، تقود الإناث مجتمعات البونوبو من خلال التحالفات الاجتماعية واختيار الشركاء. الباحثون وجدوا أن نصف النزاعات تقريبًا كانت بين الجنسين لا ضمن الجنس الواحد، وهو عامل لطالما تم تجاهله.
وبينما اعتقد بعض العلماء أن قوة الإناث تأتي من الروابط الأسرية أو التحالفات، بيّنت البيانات أن العامل الحاسم كان في كثير من الأحيان قدرة الأنثى على التحكم في العملية التناسلية. هذا التنوّع السلوكي بين الأنواع يُشير إلى أن تطوّر المجتمعات البشرية ربما لم يتبع مسارًا واحدًا، بل عدة مسارات متداخلة تحددها البيئة، والثقافة، وأنظمة العلاقات.
