اضطراب الحواس العميقة.. السر الخفي وراء خلل النوم لدى مرضى الأرق
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Brain Imaging and Behavior أن الأرق ليس مجرد خلل سلوكي أو نفسي، بل يرتبط مباشرة بخلل في البنية العصبية للدماغ. قاد الدراسة الباحث هوي وانغ وفريقه باستخدام تقنيات التصوير العصبي، حيث قارنت أنماط الاتصال العصبي لدى 29 شخصًا يعانون من الأرق مقابل 28 شخصًا سليمًا، مع مطابقة الجنس والعمر والمستوى التعليمي بين المجموعتين.
اعتمد الباحثون على مقياس يُعرف بـ "التمركز الديناميكي" (Dynamic Degree Centrality)، الذي يعبّر عن مدى ارتباط منطقة دماغية ببقية مناطق الدماغ على مدى زمني مستمر، ما يسمح برصد التغيرات اللحظية في الاتصال العصبي بدقة أكبر من المقاييس التقليدية الثابتة. وأُرفقت الدراسة بتقييمات جودة النوم باستخدام مؤشر "بيتسبرغ"، ومقياس الاكتئاب "هاملتون" لتحديد العلاقة بين الأداء العصبي والحالة النفسية.
نشاط زائد في الحواس.. وخمول في الذاكرة والمشاعر
أظهرت نتائج الدراسة أن الأشخاص المصابين بالأرق لديهم نشاط عصبي ثابت أعلى من المعتاد في مناطق الدماغ المسؤولة عن الإحساس، مثل الفص القذالي والتلفيف الصدغي السفلي والتلفيف فوق الهامش. في المقابل، لوحظ انخفاض في الاتصال العصبي بمناطق أخرى مسؤولة عن المشاعر والذاكرة والتكامل الحسي، مثل اللولب الحصيني، واللوزة الدماغية، والجزيرة الدماغية، والمهاد.
وعلى صعيد النشاط العصبي المتغيّر بمرور الوقت (التمركز الديناميكي)، سجّل الباحثون فروقًا واضحة في مناطق مثل القشرة الحزامية الأمامية، والفص الجبهي العلوي، والفص الجداري السفلي، والقشرة التلافيفية. ومن اللافت أن زيادة النشاط الديناميكي في الفص الجداري السفلي كانت مرتبطة بتحسّن جودة النوم، في حين ارتبط النشاط الثابت العالي في التلفيف الصدغي السفلي بزيادة أعراض الاكتئاب.
اقرأ أيضًا: الجبن قبل النوم مرتبط بأحلام مزعجة ونوم مضطرب.. العلم يحسم الأمر
نتائج أولية.. لكنها تفتح أبواب الفهم
تشير هذه النتائج إلى أن فرط اليقظة العصبية لدى المصابين بالأرق قد يكون نتيجة مباشرة لاختلال التوازن بين نشاط الحواس والذاكرة والانفعالات، ما يُفسّر الشعور الدائم بالتنبه وصعوبة الدخول في مراحل النوم العميق. ويضيف الباحثون أن هذا النوع من الدراسة يعزز الفهم العلمي لآلية الأرق كاضطراب عصبي، ويدعم النظرية القائلة بأن المشكلة ليست فقط في قلة النوم، بل في الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع حالة اليقظة والراحة.
ورغم أهمية النتائج، شددت الورقة العلمية على أن حجم العينة الصغيرة لا يسمح باستخلاص استنتاجات قاطعة أو تعميمها، ما يستدعي إجراء دراسات أوسع مستقبلًا لتأكيد العلاقة بين هذا النمط العصبي وحالات الأرق المزمنة.
