ألعاب الفيديو.. متعة بريئة أم طريق خفي نحو الاكتئاب؟
ألعاب الفيديو ممتعة للكبار قبل الصغار، ولا يكاد يقاوِم جاذبيتها أحد، فما إن تبدأ اللعبة، تجد نفسك في عالمٍ آخر، غير حقيقي نعم، لكنه مليء بالبهجة والمُتعة التي لا تنتهي.
لذا من الواقعي أن تكون سعيدًا في أثناء اللعب، لكن إذا مرّت الساعة تلو الأخرى أمام الشاشة، ألا يكون ذلك سببًا للاكتئاب لاحقًا؟
فقد تنجرف معها نحو إدمان ألعاب الفيديو دون أن يشعر، وهذا الإدمان قد يكون مُسبِّبًا للاكتئاب، رغم المُتعة الوقتية، فكيف يمكنك اللعب دون أن تعانِي الاكتئاب؟ وهل لألعاب الفيديو فوائد لصحتك النفسية؟
كيف تؤثر ساعات اللعب الطويلة على الصحة العقلية؟
مُتعة كبيرة تشعر بها في أثناء اللعب لساعات طويلة، خاصةً إذا تضمّنت اللعبة حلّ ألغاز أو كانت قصّتها مشوّقة أو تتباهى برسوميات عالية الجودة، لكن ذلك قد يكون على حساب صحتك النفسية دون أن تشعر.
ورغم غياب الدراسات التي تُؤكِّد أنّ ألعاب الفيديو سبب مباشر للاكتئاب، فإنّها قد تُسهِم في حدوث الاكتئاب من خلال بعض الأمور، حسب "Psychcentral":
1. اضطراب ألعاب الإنترنت (إدمان ألعاب الفيديو):
هو اضطراب مُتضمّن في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5"، ويظنُّ بعض الخبراء أنّ لهذا الاضطراب خصائص شبيهة باضطرابات الإدمان.
وكما هو الحال مع تعاطي المواد المُخدّرة، فإنّ ألعاب الفيديو، قد تُحفِّز نظام المكافأة في الدماغ بنفس الطريقة، مما يخلق سلوكًا إدمانيًا.
ومن علامات ذلك الاضطراب، حسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي:
- الانشغال الدائم بالألعاب.
- أعراض الانسحاب عند غياب اللعب أو عدم إمكانيته، مثل الحُزن أو القلق أو التهيّج.
- الحاجة إلى قضاء مزيد من الوقت في اللعب لإشباع الرغبة المُلحّة في الاستمرار في ألعاب الفيديو.
- عدم القدرة على تقليل ساعات اللعب، بالإضافة إلى فشل محاولات التوقّف عن اللعب.
- التخلّي عن الأنشطة الأخرى، وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كُنت تستمتع بها سابقًا بسبب الألعاب.
- خداع أفراد الأسرة أو الآخرين بشأن مقدار الوقت الذي تقضيه في الألعاب.
- استخدام الألعاب لتخفيف المزاج السيء، كما في حالة الشعور بالذنب أو اليأس.
- تعريض الوظيفة أو العلاقات للخطر أو فقدانها بسبب الألعاب.
وعادةً ما يحدث اضطراب ألعاب الإنترنت أو إدمان ألعاب الفيديو مع الاكتئاب.
2. الهروب من الواقع:
ألعاب الفيديو مليئة بالعوالم الافتراضية، والانطلاق إلى هذه العوالم لون من ألوان الهروب من الواقع، خاصةً إذا زادت ساعات اللعب عن حدّها.
وحسب بيانات مستمدة من تحليل تلوي نشر عام 2021 في دورية "Computers in Human Behavior Reports"، فإنّ الهروب المُفرِط من الواقع قد يُؤدِّي إلى الاكتئاب وسلوكيات إدمان الألعاب، وقد يستخدم بعض الناس الألعاب للهروب من الألم النفسي والاكتئاب، فهل هذا هو الحل الحقيقي؟
نعم، قد يوفّر الهروب راحة مؤقتة، لكنّه لا يعالِج الأسباب الجذرية للاكتئاب، بل قد يتسبَّب في دوام مشاعر العجز والانفصال عن الواقع، كما قد يفوت على المرء فرص النموّ الشخصي وحلّ المشكلات وطلب الدعم من الآخرين، مما قد يفاقِم الاكتئاب.
3. الاعتمادية الاجتماعية:
قد يُلبِّي اللعب عبر شبكة التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت حاجة الإنسان للدعم والانتماء، حسب ما أشارت إليه دراسة نشرت عام 2021 في دورية "Frontiers in Psychiatry"، التي تضمّنت 457 لاعبًا صينيًا من لعبة متعددة اللاعبين عبر الإنترنت.
لكن هذا الانتماء الاجتماعي قد يصبِح مشكلة، عندما توفّر لك اللعبة إحساسًا بالإنجاز، يُشجعك على الإفراط في اللعب أو الوقوع في حبائل اضطراب ألعاب الإنترنت، الذي يرتبط بالاكتئاب.
اقرأ أيضًا:من التغذية إلى ألعاب الفيديو.. طرق علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
4. قضاء وقت طويل أمام الشاشات
الشاشات وإن لم تضرّ بصرك رغم المكوث أمامها ساعات طويلة، فقد يكون تأثيرها أعمق على صحتك النفسية.
فقد أشارت دراستَان استقصائيتَان للمراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية، نُشِرت عام 2017 في دورية "Current Psychological Science"، أنّه كُلّما زاد الوقت الذي يقضيه المراهقون في النظر إلى الأجهزة الإلكترونية، زاد احتمال إصابتهم بالاكتئاب أو الأفكار الانتحارية!
ورغم أنّ فكرة الشاشات قائمة بالدرجة الأولى على الهواتف الذكيّة أو التلفاز، فإنّها تنطبق أيضًا على ألعاب الفيديو.
الآثار السلبية لألعاب الفيديو على الحياة الشخصية
ربّما لا تكون الصحة النفسية هي الوحيدة الواقعة في مرمى نيران ألعاب الفيديو، إذ قد يمتدّ تأثيرها لشؤونك الماليّة أو المهنية أو حتى قُدرتك على النوم، وهذه بعض الآثار السلبية من تلك النواحي:
1. الضائقة الماليّة:
قد تُنفِق أكثر من اللازم على عمليات الشراء داخل اللعبة أو حتى رسوم الاشتراك، كما أنّ جاذبية المكافآت في اللعبة، قد تجعلك تقع فريسة للإنفاق غير المحسوب، ومِنْ ثمّ فقد يكون ذلك أحيانًا على حساب النفقات الأساسية بالنسبة لك، مما قد يؤدِّي إلى المرور بضائقة ماليّة على غير العادة.
2. الإهمال المهني أو الأكاديمي:
قد تعطِي الأولوية للعب على مسؤولياتك التعليمية أو المهنية، مما ينعكس سلبًا على وظيفتك، بما قد يصل أحيانًا إلى فقدان الوظيفة، وربّما الشعور بالفشل واليأس، ومِنْ ثمّ الاكتئاب.
3. الحرمان من النوم:
بسبب الطبيعة الإدمانية لألعاب الفيديو، قد تبقى مستيقظًا لساعات إضافية لإتمام المستوى الحاليّ من لُعبتك، وبمرور الوقت ومع المداومة على ذلك كل ليلة، تعانِي حرمانًا من النوم، خاصةً مع الضوء الأزرق المنبعِث من الشاشات، الذي قد يؤثر في إيقاع الساعة البيولوجية الطبيعية لديك، مما يؤدِّي إلى اضطرابات النوم.
4. قلّة النشاط البدني:
هي نتيجة طبيعية للمكوث أمام الشاشات لساعات طويلة؛ إذ ينخفض النشاط البدني بشدّة، مما يُنذِر بالاكتئاب وتدهور الحالة المزاجية؛ فممارسة التمارين الرياضية مرتبطة بتحسين المزاج وإفراز الإندورفينات المسؤولة عن ذلك، بالإضافة إلى خسارة الوزن والتمتّع بصحةٍ مثالية.
اقرأ أيضًا: تقنيات تحسين الصحة النفسية للرجال في بيئة العمل
ما الآثار الإيجابية لألعاب الفيديو على الصحة النفسية؟
قد تظنُّ الآن أنّ ألعاب الفيديو خطر مُحقّق -وهذا حقيقي مع ساعات اللعب الطويلة بلا شك- لكنها في الواقع قد تحمل بعض الفوائد للصحة النفسية أيضًا، مثل:
1. تخفيف الاكتئاب:
قد يساعد اللعب لفترات قصيرة دون قضاء ساعات طويلة، في تخفيف الاكتئاب والقلق، فحسب مراجعة منهجية نعام 2020 نُشِرت في دورية "Games for Health Journal"، فإنّ ألعاب الفيديو السهلة والبسيطة، تُحسِّن المزاج بشكلٍ مفيد للصحة النفسية، خاصةً فيما يتعلّق بالقلق والاكتئاب.
بل قد تساعد ألعابٌ بعينها على تخفيف بعض أعراض الاكتئاب، مثل فقدان الشعور بالمُتعة، وذلك مثل ألعاب "Minecraft" و"Animal Crossing: New Horizons"، التي عزَّزت الترابُط الاجتماعي وقلّلت الشُعور بالوحدة، حسب مراجعة منهجية سردية نُشِرت عام 2021 في دورية "JMIR Serious Games".
لكن المراجعة ذكرت أيضًا أنّ بعض ألعاب الفيديو ليست علاجًا نهائيًا، بل هي علاج في غياب العلاجات التقليدية للاكتئاب أو عامِل مساعد إلى جانبها.
2. تخفيف القلق:
كذلك قد تكون بعض ألعاب الفيديو مفيدة في تحسين المزاج وتخفيف القلق، ففي تجربة، ضمّت أشخاصًا مُصابِين بالقلق، لعبوا لعبة "Plants vs. Zombies"، أربع مرات أسبوعيًا، نصف ساعة على الأقل للمرة الواحدة، كانت النتائج على صعيد صحتهم النفسية أفضل، مقارنةً بمن تناولوا الأدوية في نفس التجربة، حسب مراجعة نشرت عام 2021 في دورية "JMIR Serious Games".
ومع ذلك فهُناك حاجة إلى مزيدٍ من الدراسات، لمعرفة كيفية الاستفادة من ألعاب الفيديو، في تخفيف القلق وتحسين الصحة النفسية، بينما نتفادى أضرارها.
3. زيادة الثقة بالنفس:
هذا مرهون بألعاب تتضمّن الحركة وليس الجلوس ثابتًا أمام الشاشة لفترة طويلة، وقد أشارت مراجعة نشرت عام 2021 في دورية "International Journal of Environmental Research and Public Health"، إلى أنّ ممارسة ما بين 10 إلى 90 دقيقة من ألعاب الفيديو القائمة على النشاط يوميًا، كان مرتبطًا بتحسُّن الصحة النفسية وزيادة الثقة بالنفس، وكذلك تحسين النشاط البدني.
اقرأ أيضًا:كيف تحمي صحتك النفسية من الأخبار السيئة وتتجنب "التصفح المُهلك"؟!
ما الحد الآمن من عدد الساعات للألعاب الإلكترونية؟
ليس هناك اتفاق على عدد ساعات مُعيّن للعب ألعاب الفيديو، كما أنّ عدد الساعات المناسب قد يختلف حسب العُمر، خاصةً للمراهقين والأطفال، الذين قد يواجهون صعوبة في إنجاز مهامهم الدراسية أو النوم ليلًا مع ساعات اللعب الطويلة.
وتُؤكِّد "جين توينج"، أستاذة علم النفس والباحثة بجامعة ولاية سان دييجو، أنّ الحد الآمن للمراهقين هو ساعة إلى ساعتين يوميًا.
وحسب دراسةٍ أجرتها "توينج" وجامعة ولاية سان دييجو وجامعة ولاية فلوريدا، فإنّ أكثر من 5 ساعات من ألعاب الفيديو، يُعدّ أكثر من اللازم بالنسبة إلى المراهقين.
أمّا بالنسبة للأطفال، فحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإنّ الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 6 سنوات، يجب ألّا يقضوا أكثر من 60 دقيقة في ممارسة الألعاب في أيام الدراسة، وساعتين في أيام الإجازات الدراسية.
لكن بعد كم ساعة من اللعب تظهر الأضرار؟
حسب دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد، نُشِرت عام 2014 في مجلة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن اللعب أكثر من 21 ساعة كل أسبوع (3 ساعات كل يوم)، قد يبدأ في إحداث تأثير سلبي على التوازن النفسي.
نصائح للحد من التأثير السلبي للألعاب الإلكترونية
بعد أن عرفت كيف يمكن لألعاب الفيديو أن تقلب حياتك رأسًا على عقب مع الإفراط في لعبها، فهذه بعض النصائح التي ستُساعِدك على اللعب أيضًا، لكن بطريقة أخفّ ضررًا على صحتك النفسية، وهذه الطرق تضمّ، حسب "Choosingtherapy":
1. الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم:
النوم الجيّد ضروري لضمان عمل الدماغ بكفاءةٍ على مدار اليوم، كما يسمح لك بالتعامل مع الألعاب بقدرة ذهنية أفضل، مما يقلل المشاعر السلبية والإحباط، التي قد تُسهِم في الاكتئاب أو تفاقِمه، لذا احرص على النوم 7 - 9 ساعات كل ليلة.
2. تنظيم أنشطتك اليومية:
قبل أن تنخرط في اللعب، حدّد أوقات أنشطتك على مدار اليوم، ومن بينها اللعب، فإذا انتهى وقته، حدِّد فترات محددة للراحة أو التفاعل الاجتماعي، فهذا يساعد على تقليل خطر العزلة وإهمال مسؤوليات الحياة الأخرى، خاصةً إذا كُنت تقضي ساعات طويلة في اللعب.
3. النشاط البدني:
وازِن بين ألعاب الفيديو والألعاب الرياضية، التي تحمل فوائد كُبرى لصحتك النفسية والجسدية معًا، وإذا شقّ عليك الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، فأقلّ ما يمكنك أن تفعله هو المشي كل يوم أو ممارسة أي تمرين تُفضِّله، فهذا أفضل للوقاية من الاكتئاب وتحسين المزاج.
4. اختر الألعاب بعناية:
من الضروري أن تقيّم تأثيرات أي لعبة تلعبها عليك وعلى صحتك النفسية، لذا حاول أن تختار الألعاب التي لها تأثير إيجابي في صحتك النفسية، لا التي تزيد شعُورك باليأس والإحباط أو تجعلك أكثر عُرضةً للاكتئاب، والأهم عدم قضاء ساعات طويلة في اللعب.
ختامًا؛ إذا هيمنت ألعاب الفيديو على وقتك، ولم تجد طريقة مناسبة للتخلّص من آثارها على صحتك النفسية، فربّما يكون الأفضل استشارة اختصاصي الصحة النفسية، لمعرفة كيفية التعامل معها والحفاظ على صحتك النفسية.
