بين الفوائد والأضرار: هل المياه المعدنية صحية كما نعتقد؟
مذاقٌ مختلف تشعر به في فمك إثر تناولك زجاجة مياه معدنية، لا يشبِه مياه الصنبور بأي حالٍ من الأحوال، ربّما لطبيعة المعادن ومصدر المياه المعدنية من المياه الجوفية الطبيعية.
لكن الأمر أكبر من مُجرّد اختلاف المذاق، فالمعادن كنز للصحة لا يُقدّر بثمن، كالمغنيسيوم الذي يحافِظ على ضغط الدم ويحمي من الإمساك، والكالسيوم الذي يبني العظام وينظِّم ضربات قلبك، وكلاهما متوافر في المياه المعدنية، فما الفوائد الصحية لتلك المياه الفريدة؟ وهل ثمّة أضرار لها أم يمكنك الاستمتاع بها على الدوام؟
الفرق بين المياه المعدنية والمياه العادية
تأتي المياه المعدنية من مصادر تحت الأرض، كالمياه الجوفية والينابيع، المليئة بالمعادن بصورةٍ طبيعية، مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والكبريت وغيرها.
وتُعدّ المياه معدنية إذا كانت تحتوي على ما لا يقل عن 250 جزءًا في المليون من إجمالي المواد الصلبة المذابة، وهي مختلفة عن المياه العادية لكونها لا تحتوي على معادن مُضافة، حيث معادن المياه المعدنية هي من صُلب طبيعتها.
نعم، قد تُضاف معادن إلى المياه العادية أو مياه الصنبور، ومع ذلك فإنّ المعادن الموجودة تلك قد تُشكِّل رواسب، يمكن أن تؤدي إلى تآكل الأنابيب التي تمرّ من خلالها المياء أو تقلّل تدفّقها.
وهذا لا يعني أنّ المياه المعدنية تُعبّأ في زجاجات من نبعها مباشرةً، بل قد تخضع لبعض المعالَجة، مثل إضافة أو إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون أو التخلّص من المواد السامّة، مثل الزرنيخ.
الفوائد الصحية لشرب المياه المعدنية يوميًا
تشمل أهم الفوائد الصحية لشُرب المياه المعدنية يوميًا:
1. تقوية العظام:
ربّما لا تحبّ شُرب اللبن، رغم غناه بالكالسيوم، المعدن الضروري لبناء العظام وتقويتها وحمايتها من الهشاشة، لكن قد تمدّك زجاجة مياه معدنية بكمية لا بأس بها من الكالسيوم.
فقد أظهرت مراجعة نشرت عام 2023 في دورية "Nutrients"، أنَّ الكالسيوم الموجود في المياه المعدنية يُمكِن للجسم امتصاصه كما الكالسيوم في الحليب.
كذلك فإنّ المياه المعدنية تحتوي على البيكربونات والمغنيسيوم، وهما من العناصر الغذائية اللازمة للحفاظ على صحة عظامك، خاصةً أنّ المغنيسيوم يساعد عظامك على امتصاص الكالسيوم.
ومما يدلّ على أهمية المياه المعدنية لصحة العظام، دراسة منشورة عام 2014 في "Journal of Endocrinal Investigation"، شملت 255 امرأة بلغن سن اليأس، من تناولن مياه معدنية غنيّة بالكالسيوم، تمتّعن بكثافة عظامٍ أكبر، مقارنةً بغيرهنّ ممن تناولن مياه تحتوي على كمية منخفضة الكالسيوم.
2. تحسين صحة القلب:
شُرب الماء ضروري عمومًا لتحسين تدفّق الدم عبر شرايين الجسم، كما أنّ المعادن المتوافرة في المياه المعدنية، من كالسيوم ومغنيسيوم وبوتاسيوم وغيرها، تعزِّز الدورة الدموية أيضًا.
فالكالسيوم مثلًا ذو دور أساسي في تنظيم مُعدّل ضربات القلب، بينما المغنيسيوم معدن رئيس في تقليل ضغط الدم ومنع ارتفاعه.
وقد بيّنت مراجعة نشرت عام 2019 في دورية "Nutrients"، أنَّ شُرب المياه المعدنية بانتظام، قلّل عوامل الخطر التي تزيد من خطر الإصابة بمرض القلب التاجي (عوامل الخطر مثل ارتفاع الكوليسترول السيء أو ارتفاع ضغط الدم أو غيرها).
حيث ساعد شُرب المياه المعدنية يوميًا المشاركين على تحسين مستويات الكوليسترول الجيد، والحفاظ على ضغط الدم، وجعل مستويات الدهون الثلاثية طبيعية في الدم، ما ينعكس إيجابًا على صحة القلب.
ومع ذلك تظلّ الحاجة إلى بحثٍ أكبر بشأن فوائد المياه المعدنية للقلب، ولمعرفة مدى تأثيرها المباشر على صحة القلب، وإن كانت نتائج الدراسات المتوافرة واعدة.
اقرأ أيضًا:"ليست كلها فوائد".. هل المياه المعدنية صحية؟
3. علاج الإمساك:
الإمساك ليس مُجرّد قضاء فترة أطول في دورة المياه، بل قد يصحبه ألمٌ وعراك للإنسان مع نفسه، وقد يُنذِر بمضاعفات لاحقًا، والإمساك عمومًا علامة غير صحيّة لجهازك الهضمي.
وبالتأكيد يُساعِد شُرب الماء بشكل عام على تفادي الإمساك ومشكلاته، لكن ما يميّز المياه المعدنية غناها بالمغنيسيوم، الذي يُحسِّن حركة الأمعاء عبر المساهمة في استرخاء عضلاتها، وسحب مزيدٍ من الماء في داخل القولون، لتسهيل طرد البراز؛ إذ يكون ألين بعيدًا عن الصلابة.
وقد أظهرت دراسة نشرت عام 2017 في "المجلة الأوروبية للتغذية European Journal of Nutrition"، شملت 106 مصابين بالإمساك، أدّى تناولهم مياه معدنية غنية بكبريتات المغنيسيوم وكبريتات الصوديوم إلى تحسين حركة الأمعاء بعد 6 أسابيع.
وبالأحرى من تناولوا 502 ملليلتر من المياه المعدنية يوميًا، شهدوا زيادة في مُعدّلات التبرز، مما يدلّ على صحة الأمعاء لديهم وتخلّصهم من الإمساك بدرجةٍ كبيرة.
رغم ذلك من الضروري التنويه على أنّ شُرب ما يكفي من السوائل عمومًا كل يوم من أفضل السبل للتغلب على الإمساك والوقاية منه.
أضرار الاستخدام المفرط للمياه المعدنية على المدى الطويل
تُعدّ المياه المعدنية آمنة لمعظم الناس، لكن بالتأكيد هناك استثناءات، إذ قد يتضرّر البعض من شُرب المياه المعدنية، مثل من يلتزمون نظامًا غذائيًا قليل الصوديوم أو الأملاح؛ حيث يجب عليهم تجنّب المياه المعدنية الغنية بالصوديوم.
خلاف ذلك، قد يكون للمياه المعدنية بعض المخاطر المحتمَل حدوثها، مثل:
1. التعرّض للميكروبلاستيك:
المياه المعدنية متوافرة في زجاجات بلاستيكية، ومِنْ ثَمّ فقد تحتوي على جُسيمات صغيرة من البلاستيك، التي لا تزال مخاطرها على المدى الطويل مجهولة حتى الآن، لكن يعتقد بعض الباحثين ارتباطها بتلف الخلايا جراء الإجهاد التأكسدي، واختلال الهرمونات.
جديرٌ بالذكر أنّ جُسيمات البلاستيك الدقيقة من المستحيل تفاديها تقريبًا، فهي موجودة تقريبًا في كل الأشياء، الأطعمة والمشروبات، بما في ذلك مياه الصنبور، وحتى البيئة من حولنا، وكناتج عن غسل الملابس الاصطناعية أو كشط الإطارات خلال القيادة، بل حتى في منتجات العناية الشخصية.
2. وجود طفيليات:
تمرّ المياه المعدنية بمعايير سلامة عالية حتى لا تحتوي على ملوّثات أو مواد كيميائية ضارّة، ومع ذلك حذّرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها "CDC"، من أنّ المياه المعدنية ذات خطر مرتفع بأن تحتوي على طُفيل "كريبتوسبوريديوم"، الذي يأتي من الينابيع أو مصادر المياه غير المحميّة، وهذا الطُفيلي قد يُسبِّب إسهالًا مائيًا، حمى، قيء، ألم البطن، الجفاف.
لذا يجب اقتناء زجاجات مياه معدنية من مصدرٍ موثوق، يُراعِي معايير السلامة والجودة، لضمان خلوّها من هذا الطفيلي وغيره من المواد الضارة.
3. احتمال تضرّر الأسنان:
المياه المعدنية ليست نوعًا واحدًا، والمعنيّ بحديثنا في هذه الفقرة المياه المعدنية الفوّارة، فقد يؤدي تناولها إلى تلف مينا الأسنان، خاصةً أنّها حمضية أكثر من المياه العادية، لكن قدرتها على إتلاف مينا الأسنان أكبر بدرجةٍ طفيفة عن مياه الصنبور، كما أنّها تظلّ أقل 100 مرة مقارنةً بالمشروبات الغازية السكرية، حسب دراسة نشرت عام 2001 في دورية "Journal of Oral Rehabilitation".
كمية المياه المعدنية المثالية
قد تختلف الكمية المناسبة للشرب من المياه المعدنية، باختلاف أنواعها وعلاماتها التجارية، بل حتى باختلاف البلدان.
فمثلًا تُعرِّف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية المياه المعدنية باحتوائها على 1,500 مجم لكل لتر من المعادن المُذابة، بينما في أوروبا فأي مياه تحتوي على معادن تُعدّ مياه معدنية.
لذا لا تتوافر إرشادات غذائية مُوحّدة بشأن الكمية المثالية من المياه المعدنية يوميًا، لكن ثمّة ما يمكن الاسترشاد به.
فالكالسيوم والمغنيسيوم هما المعادن الأكثر انتشارًا في المياه المعدنية، وقد تختلف احتياجاتهما حسب العُمر والجنس والحالة الصحية، لكن عمومًا يحتاج البالغون نحو 1,000 مجم من الكالسيوم، بينما يبلغ احتياج الرجال ممن تتراوح أعمارهم بين 19 - 30 عامًا نحو 400 مجم من المغنيسيوم.
خلاف ذلك، يُوصَى الرجال بأن يحصلوا على ما يعادِل 15.5 كوبًا من المياه العادية عبر الطعام والشراب يوميًا، مع الحذر من الإفراط في تناول المياه المعدنية، خاصةً إذا كُنت تتبع نظامًا غذائيًا قليل الأملاح.
