اللغة اليومية مرآة الشخصية.. كيف تكشف كلماتك عن اضطرابات محتملة؟
كشفت دراسة نفسية حديثة، أن الطريقة التي يتحدث بها الأشخاص أو يكتبون رسائلهم اليومية بها، قد تكشف مؤشرات مبكرة على اضطرابات خفية في الشخصية، حتى قبل أن تظهر هذه الاضطرابات في السلوك الواضح أو العلاقات الاجتماعية.
الدراسة، التي قادتها باحثة علم النفس شارلوت إنتويسل من جامعة ليفربول، أكدت أن اختيار الكلمات في الرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، والمحادثات العابرة، والتعليقات على الإنترنت، يعكس أنماطًا عميقة في التفكير والمشاعر وطريقة التفاعل مع الآخرين.
كلمات بسيطة قد تشير إلى خلل نفسي عميق
وأوضح الباحثون أن السمات الشخصية موجودة لدى الجميع، لكن عندما تصبح جامدة أو حادة أو مُعطِّلة، قد تتحول إلى ما يُعرف باضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية أو المعادية للمجتمع أو الحدّية، إلا أن الشخصية، بحسب الدراسة، تقع على طيف متدرج، ولا يعاني الجميع من اضطراب كامل، بل من مستويات متفاوتة من الخلل الوظيفي.
وأشارت النتائج إلى أن كثيرًا من الأشخاص قد يُظهرون مشكلات أخف، مثل التقلبات المزاجية، أو السلبية، أو التفكير الجامد، أو سمات مظلمة كالتلاعب والبرود العاطفي، وغالبًا ما تتسلل هذه الأنماط إلى اللغة المستخدمة، قبل أن تظهر في التصرفات بشكل مباشر.
ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات أو خلل في الشخصية، يميلون إلى استخدام لغة تتمحور حول الذات، مثل الإكثار من ضمائر المتكلم «أنا» و«لي»، إلى جانب كلمات تحمل طابعًا سلبيًا أو عدائيًا، كالغضب والكراهية والشتائم، مع انخفاض ملحوظ في استخدام كلمات تعكس الروابط الاجتماعية مثل «نحن» و«معًا».
وفي تحليل لرسائل وسجلات مكتوبة لأشخاص ذوي سمات شخصية متطرفة، لاحظ الباحثون نبرة عاطفية مسطحة أو متعالية، وتركيزًا على السيطرة والهيمنة، وهي أنماط ظهرت سابقًا في تحليلات لغوية لشخصيات إجرامية معروفة.
واعتمدت الدراسة على أربع أبحاث استخدمت التحليل الحاسوبي للنصوص، ففي إحدى الدراسات التي شملت 530 مشاركًا، تبين أن الأشخاص ذوي الخلل الأعلى في الشخصية يستخدمون لغة عاجلة ومشحونة، مثل «أحتاج» و«يجب»، مع ميل لاجترار الماضي واستخدام كلمات تعبّر عن الغضب والانزعاج، مقابل تراجع واضح في مفردات الحميمية والانتماء.
كيف تفضح اللغة اليومية اضطرابات الشخصية؟
وأكد الباحثون أن الهدف من هذه النتائج ليس تشخيص الأفراد من خلال كلماتهم، بل الانتباه إلى التغيرات اللغوية التي قد تمثل إشارات تحذيرية مبكرة. فاللغة التي تصبح فجأة شديدة السلبية، أو متطرفة، أو منغلقة على الذات، أو خالية من الروابط الاجتماعية، وقد تعكس معاناة نفسية عميقة.
وشددت الدراسة على أن فهم هذه الأنماط قد يساعد الأفراد على رصد التحذيرات في العلاقات الاجتماعية، سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية أو العالم الرقمي، خصوصًا عند التعامل مع أنماط شخصية مظلمة كالنرجسية أو السيكوباتية.
واختتمت الباحثة شارلوت إنتويسل بالإشارة إلى أن كلمة واحدة لا تكشف الشخصية، بل النمط المتكرر عبر الزمن، مؤكدة أن اللغة تفتح نافذة دقيقة على العالم الداخلي للأشخاص، وتمنح فرصة أفضل للفهم والدعم والحماية في الحياة اليومية.
