الساعة القمرية لدى البشر.. ما هي؟ وكيف تأثرت بأضواء المدن؟
تشير أحدث الدراسات إلى أن الإنسان، مثل بقية الكائنات الحية، يمتلك ساعة قمرية داخلية تسير وفق دورة القمر الممتدة على نحو 29.5 يوم، وتتحكم في إيقاع النوم والخصوبة وحتى أنماط الهجرة لدى بعض الأنواع.
إلا أن العلماء يحذرون من أن هذه الساعة الطبيعية تتلاشى تدريجيًا في عصر الأضواء الاصطناعية والمدن التي لا تنام.
كما تعتمد الساعة البيولوجية اليومية على دوران الأرض خلال 24 ساعة، تعمل الساعة القمرية بدورها على متابعة الإيقاع الأبطأ لدورة القمر.
وأوضحت دراسة نُشرت في مجلة Science Advances أن تزامن الدورات الشهرية لدى النساء مع مراحل اكتمال القمر كان ظاهرة شائعة في السابق، غير أن هذا الارتباط تراجع تدريجيًا منذ انتشار إضاءة الـLED والهواتف الذكية بعد عام 2010.
كشفت أبحاث ميدانية نُشرت عام 2021 أن أفراد الشعوب الأصيلة في الأرجنتين كانوا ينامون أقل بنحو 20 إلى 90 دقيقة خلال الأيام التي تسبق اكتمال القمر، بينما ظهر نمط مشابه، وإن كان أقل وضوحًا، لدى مئات الطلبة في مدينة سياتل الأميركية رغم التلوث الضوئي المرتفع.
وامتدت هذه النتائج إلى المختبر، إذ بينت دراسة أجريت عام 2013 أن المشاركين احتاجوا وقتًا أطول للخلود إلى النوم خلال فترة اكتمال القمر، وناموا أقل بحوالي 20 دقيقة، مع انخفاض ملحوظ في إفراز هرمون الميلاتونين وتراجع بنسبة 30% في نشاط الدماغ المرتبط بالنوم العميق.
والأكثر لفتًا للانتباه ما أظهرته دراسة حديثة لتحليل سجلات الطمث لدى 176 امرأة في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تبين أن التزامن بين الدورة الشهرية ومراحل القمر الذي كان شائعًا قبل عام 2010 بدأ يختفي تدريجيًا، باستثناء شهر يناير، عندما تبلغ قوة الجاذبية بين الأرض والقمر والشمس أقصاها.
تأثير القمر على التكاثر
ويلعب القمر دورًا أساسيًا في حياة الكائنات الحية، إذ تعتمد الشعاب المرجانية على ضوئه لتحديد توقيت تكاثرها الجماعي بدقة استثنائية.
وأثبتت تجربة أُجريت عام 2016 أن استبدال ضوء القمر الطبيعي بضوء صناعي ثابت أو بظلام تام أدى إلى اضطراب الجينات المسؤولة عن السلوك التناسلي، وفقدان التزامن في إطلاق البيوض والحيوانات المنوية.
وتشير أبحاث أخرى إلى أن الجينات المنظمة لما يعرف بـ«الساعة القمرية» موجودة على المستوى الجزيئي لدى العديد من الكائنات البحرية، وأن التلوث الضوئي يسهم في تعطيل هذه الإشارات الحيوية، ما يهدد دورة التكاثر الطبيعية لمئات الأنواع في البيئات البحرية والشعاب المرجانية.
وتُظهر بيانات «الأطلس العالمي للسماء الليلية الصناعية» أن أكثر من 80% من سكان العالم يعيشون تحت سماء ملوثة بالضوء، إلى درجة أن مجرة درب التبانة لم تعد مرئية في معظم المدن الأوروبية والأميركية.
ففي دول مثل سنغافورة والكويت، لم يبق مكان واحد يخلو من التلوث الضوئي الذي جعل الليل مضاءً بشكل دائم.
ويحذر العلماء من أن اختفاء الإشارات القمرية الطبيعية لا يقتصر أثره على البيئة فقط، بل يمتد إلى الإنسان نفسه، إذ تعتمد أدمغتنا على الإيقاعات الطبيعية لتنظيم إحساسنا بالزمن.
ويعتقد الباحثون أن هذا الانفصال المتزايد عن الطبيعة «يُسطح» إدراكنا للوقت ويضعف ارتباطنا بالدورات الحيوية التي جمعت الإنسان بالقمر منذ فجر التاريخ.
ومع ذلك، يؤكد العلماء أن الساعة القمرية لا تزال تعمل داخلنا، وإن بصوت خافت، تذكير صامت بالعلاقة القديمة بين البشر وضوء القمر.
