لماذا تعتبر الصور البسيطة أكثر جمالًا للبشر من الصور المعقدة؟
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة PNAS Nexus عن ارتباط وثيق بين إدراك الجمال وكفاءة الدماغ في استهلاك الطاقة.
وأوضح الباحثون أن الصور التي تتطلب جهدًا أقل من الدماغ لمعالجتها تُعتبر أكثر جمالاً من غيرها، وهو ما يشير إلى أن تفضيلاتنا البصرية قد تكون آلية تطورية.
ويستهلك الدماغ، رغم أنه لا يمثل سوى جزء صغير من كتلة الجسم، نحو 20% من الطاقة اليومية، فيما يذهب 44% من هذا الاستهلاك إلى النظام البصري وحده.
ويجعل هذا العبء الأيضي النظر إلى العالم مهمة مكلفة، وهو ما يفسر ميل الإنسان إلى تفضيل الصور التي يسهل على الدماغ التعامل معها.
العلاقة بين الجمال وكفاءة الدماغ
واعتمد الباحثون على فكرة تطورية تقول إن الكائنات الحية تحاول دائمًا تجنّب إهدار الطاقة، وأن الجسم يطوّر آليات تساعده على العمل بكفاءة أكبر.
ومن هذا المنطلق، افترض العلماء أن الدماغ يكافئ السلوكيات التي توفر الطاقة بمشاعر إيجابية مثل المتعة، مما يشجع الإنسان على تكرارها.
وعند تطبيق هذا المبدأ على الرؤية، طرح الباحثون فرضية أن الصور التي يسهل على الدماغ معالجتها تبدو أكثر جمالًا للعين.
ولاختبار ذلك، استخدم الفريق نموذجًا حاسوبيًا يحاكي طريقة عمل النظام البصري البشري عبر شبكة عصبية عميقة (VGG-19)، وعرضوا عليها حوالي 5000 صورة مختلفة.
وأظهرت النتائج أن الصور التي تطلبت نشاطًا أقل من الوحدات العصبية الاصطناعية حصلت على تقييمات جمالية أعلى من البشر، وهو ما يدعم الفكرة بأن إدراك الجمال يرتبط مباشرة بانخفاض الجهد الأيضي الذي يبذله الدماغ.
تصوير الدماغ وعلاقة الجمال بالطاقة
ولم يقتصر الباحثون على النماذج الحاسوبية، بل أجروا أيضًا تجارب باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي على أربعة أشخاص أثناء مشاهدتهم مجموعة من الصور.
وأظهرت النتائج أن زيادة النشاط الأيضي في القشرة البصرية ارتبطت بانخفاض التقييمات الجمالية، بينما الصور التي تطلبت جهدًا أقل من الدماغ حصلت على تقييمات أعلى.
كان هذا الارتباط أوضح في المناطق المسؤولة عن معالجة المشاهد المعقدة والوجوه.
وفسر العلماء هذه النتائج بأنها دليل على وجود "آلية توفير للطاقة" داخل الدماغ، حيث يسعى النظام البصري إلى تحقيق توازن بين الإثارة البصرية والاقتصاد في استهلاك الطاقة.
ومع ذلك، أوضح الباحثون أن هذا المبدأ لا ينطبق على جميع أشكال الفن المعقدة، إذ قد يتجاوز السياق أو المكافأة المعرفية تكلفة المعالجة البصرية، فيجعل الأعمال الفنية الصعبة أكثر قيمة رغم جهد الدماغ الكبير في فهمها.
