راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : لا تلمع أكثر من اللازم
في أحد الاجتماعات، جلس موظف شاب أمام مديره، يشرح بحماس كيف يمكن تحسين أداء الفريق، ويعرض أفكارًا مبتكرة، بلغة واثقة ونبرة عالية، وكأنه يعرف كل تفاصيل إدارة الفريق أكثر من مديره. لم تمر أيام حتى وجد نفسه مُهمشًا، لا يُدعى للاجتماعات الكبيرة التي يحضرها المدير، ولا يُؤخذ برأيه. بطبيعة الحال، لم يكن الخطأ في فكرة الموظف في تطوير عمل الإدارة، بل في الطريقة والتوقيت، فقد نسي قاعدة أزلية قديمة في التعامل مع من هم أعلى منه موقعًا: لا تلمع أكثر من اللازم أمام من يملك الضوء.
روبرت غرين، في كتابه الشهير (48 قانونًا للقوة)، يفتتح أولى قواعده بتحذير واضح: "لا تُظهر أبدًا تفوقك على سيدك". فالقوة لا تُكتسب فقط بالذكاء، بل بفهم النفس البشرية، وبالقدرة على قراءة الغيرة، والخوف، والحاجة إلى السيطرة في من هم أمامك.
في بيئة العمل، خصوصًا في الإدارات الحكومية أو المؤسسات ذات الطابع الهرمي، قد يكون التفوق العلني تهديدًا لا يُغتفر. ليس لأن المدير لا يريد النجاح، بل لأنه لا يريد أن يشعر بأنه فقد السيطرة على من تحته، وأن هناك من يريد منافسته على المنصب. وهنا يأتي دور الذكاء العاطفي، لا في إخفاء الكفاءة، بل في تقديمها بحكمة.
المدير الناجح لا يخشى من هم أذكى منه، لكنه يكره من يتجاهل حساسية المنصب. والموظف الذكي لا يُظهر براعته ليُثبت نفسه، بل ليُعزز ثقة مديره، ويُشعره أن نجاحه جزء من نجاح مديره والمنظومة، وليس تهديدًا لها.
في هذا السياق، أتذكر شخصية "توم هاغن" في فيلم "العراب"، المحامي الذكي الذي كان حاضرًا في كل قرار، لكنه لم يتجاوز حدوده مع "دون كورليوني". كان مؤثرًا دون أن يكون متصدرًا، وكان يُدير دون أن يُنافس.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : التواضع القيادي
وإليكم بعض الخطوات الفعالة التي قد تجنبكم الوقوع في هذا الخطأ، وكيفية تطبيق القانون الأول من الكتاب بحكمة وذكاء:
1. افهم السياق قبل أن تتكلم. ليست كل فكرة تستحق أن تُقال الآن. اختر التوقيت، والمكان، والطريقة.
2. ادعم مديرك علنًا، وناقشه في السر. أظهر الاحترام في العلن، وشارك الملاحظات في جلسات مغلقة.
3. اجعل نجاحك امتدادًا لنجاحه. حين تُنجز شيئًا، اربطه برؤية المدير، لا كأنه إنجاز فردي خارج عن توجهاته.
4. لا تُصحح علنًا، حتى لو كنت محقًا. التصحيح العلني يُشعر الآخر بالإهانة، حتى لو كان بأسلوب مهذب.
5. تعلّم من الظلال، لا من الأضواء. في بعض المراحل، الأفضل أن تكون خلف الكواليس، لا في الواجهة.
وقبل ذلك كله، افهم مديرك جيدًا، وتعلم كيف تقرأ طريقة إدارته وتفكيره، ونسبة ذكائه العاطفي. فكلما ارتفعت نسبة ذكائه العاطفي، ارتفع معها اطمئنانك إلى نضجه الإداري، ووعيه بأن المدير الناجح هو من يختار كفاءات أفضل منه كي يدعموه قدمًا.
وفي النهاية، القوة الحقيقية ليست في أن تُبهر الجميع، بل أن تُبقي نفسك في موقع التأثير دون أن تُثير الريبة. وكما يقول روبرت غرين: "من يُظهر تفوقه قبل أوانه، يُقصى قبل أن يُمنح الفرصة".
"إذا أردت أن تكون عظيمًا، فاجعل من حولك يشعرون بالعظمة". – جون ماكسويل
