راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : الذكاء العاطفي
ما زلت أوْمن بأن النجاح في أي وظيفة يعتمد بنسبة متوازنة بين إتقان المهنة أو الحرفة، من جهة، والقدرة على التعامل مع الآخرين باحترام وتعاطف من جهة أخرى. وفي رأيي فإن ذلك يتطلب إعطاء الاحترام والتعاطف 70% أهمية، مقارنة بنسبة 30% للمهنة نفسها. فالمهنة أو الحرفة هي قدرة قابلة للتعلم، إن كانت محاماة أو محاسبة حتى علوم الفضاء. بينما إن كنت تفتقر لأساسيات الاحترام والتقدير في التعامل مع الآخرين، ولم تتعلمه في صغرك، فمن الصعب اكتسابه في الكبر.
القدرة على التعامل باحترام وتعاطف مع الآخرين وقراءة مشاعرهم وكيفية التعامل معها للوصول لحل ونتيجة هي من أساسيات الطبيعة الإنسانية، وهو ما نسميه اليوم بالذكاء العاطفي، والذي يجدر بنا جميعًا إتقانه. وهي مهارات تُكتسب بالممارسة والملاحظة، والقدرة على قراءة الآخرين، وبطبيعة الحال قد تأخذ بعض الوقت.
ولعل أبرز ما يعزز هذا المفهوم هو تعلم المهارات التالية، ولكن اعلم أن كل مهارة مرتبطة بالأخرى وتدعمها، فالهدف هو إتقانها جميعًا:
• الوعي الذاتي: القدرة على فهم نفسك ومشاعرك وانفعالاتك ومسبباتها.
• ضبط النفس: القدرة على التحكم في مشاعرك وضبطها، وخصوصًا في المواقف الصعبة وأوقات التوتر.
• التحفيز الذاتي: القناعة أن التحفيز الأنجح والمستدام يكون من الداخل وليس من المحيط الخارجي أو من الآخرين.
• التعاطف: القدرة على تفهم مشاعر الآخرين ومحاولة رؤية الأمور من منظورهم لفهم وجهة نظرهم.
• التواصل الفعال: القدرة على التواصل مع الآخرين باحترام ولباقة وحكمة.
وتشير دراسات كثيرة إلى أننا نقضي معظم وقتنا في أماكن عملنا هذه الأيام، وعليه فيجب علينا إتقان هذه الخصلة لضمان استمراريتنا في أعمالنا ونجاحنا وتطورنا فيها. فكما ذكرت في بداية المقال، فإن النجاح المهني يعتمد على الذكاء العاطفي بشكل كبير. وإن كان إتقان المهارة التقنية يفتح الباب للحصول على الوظيفة، فالذكاء العاطفي هو ما يبقيه مفتوحًا على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : أول تسعين يومًا
وقد أصبحت بيئات العمل اليوم أكثر تعقيدًا وتشابكًا، والوقت الذي نقضيه يوميًّا مع زملاء العمل يصل إلى ضعف الوقت الذي نقضيه مع أسرنا في بيوتنا يوميًّا، وهذه نسبة متحفظة، فأنا أعتقد أنها أكثر من الضعف. ولذلك ينبغي علينا تعلم كيفية التواصل والتعامل والتوافق مع بيئة العمل وكل من فيها. وفي رأيي، هناك عدة أمور يجب أخذها في الحسبان في مكان العمل، ومن أهمها:
• حل النزاعات والخلافات: البحث عن الجذور والتركيز على التهدئة والحل بدلًا من التصعيد.
• عدم أخذ الأمور بصفة شخصية: يجب التعامل مع أمور العمل على أنها عمل فقط وعدم أخذ أي موقف مخالف بصفة شخصية ومحاولة فهم آراء الآخرين.
• القيادة المؤثرة: القيادة تعني دعم الآخرين وإعطاءهم الثقة والقوة لاتخاذ القرارات والإبداع والتطوير، وأن تتوقع حدوث أخطاء، ولكن يجب عليك التعامل مع أخطاء الفريق كفرصة للتعلم والتطور.
وأخيرًا، فالذكاء العاطفي يكاد يكون القوة الخارقة التي تعطي أي شخص يمتلكها مفاتيح النجاح في العمل وكسب الآخرين في الحياة بصفة عامة. والجميل في الموضوع أنها ليست قوة خارقة ناعمة حكرًا على فئة معينة من الناس ولكنها خصلة يمكن تعلمها وصقلها وتطويرها مهما كانت خلفية الشخص الراغب في تعلمها.
"تذكر وأنت تتعامل مع الناس أنك لا تتعامل مع مخلوقات منطقية، بل مع مخلوقات عاطفية".
ديل كارنيجي
