الواقع الافتراضيّ: متعة مذهلة ثمنها قد يكون بصرك
تجربة العالم الافتراضي فريدة بحد ذاتها، إذ تجد نفسك في عالمٍ جديد يحاكِي الواقع تقريبًا، تتفاعل معه بكلّ ذرّة لديك، لكن في خضم المُتعة، قد ننسى أو نهمِل صحة العين.
صحيح أنّ أجهزة الواقع الافتراضي مختلفة عن الشاشات، وأنّ تجربتها تغمرك بالكامل، إلا أنّ طريقة عمل الواقع الافتراضي قد تُرهِق عينيك من حيث لا تتوقّع، لذلك كيف يؤثِّر الواقع الافتراضي في صحة العيون؟ وكيف تستمتع بأجهزة الواقع الافتراضي من دون أن تضرّ بصرك؟
كيف تعمل أجهزة الواقع الافتراضي؟
تُنشِئ أجهزة الواقع الافتراضي بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد بالحجم الطبيعي، كأنّك داخل عالم حقيقي، من دون أن يكون ما تراه معروضًا وكأنّه مُقيّد بحدود شاشة.
فهي تحاكي الطريقة التي تعمل بها أعيننا بالفعل من خلال إظهار صورة مختلفة قليلا لكل عين، حتى نتمكّن من إدراك عُمق الأشياء التي نراها.
كما تحتوي على عدسات توضع بين العينين والبكسلات، إذ تركِّز العدسات الصورة وتعِيد تشكيلها لكل عين، لإنشاء صورة مُجسّمة ثلاثية الأبعاد، كما توفّر مجال رؤيةٍ أوسع لخلق شعور بالانغماس في ذلك العالم الافتراضي.
الأضرار المحتملة للواقع الافتراضي على العين
قد يتسبّب الواقع الافتراضي في بعض الأضرار على العين، والتي قد لا ننتبه إليها في خضمّ متعة العالم الافتراضي، وذلك مثل:
1. إرهاق العين
حسب الأكاديمية الأمريكية لطب العيون "AAO"، فإنّ التحديق في أجهزة الواقع الافتراضي -أو أي جهاز رقمي- لفترة طويلة، قد يسبّب إرهاق العين.
وذلك لأنّك تميل إلى الرمش بمعدّل أقل عند استخدام جهاز بشاشة رقمية، مقارنةً بمعدّل الرمش المُعتاد، وهذا قد يؤدي إلى جفاف السطح الأمامي لعينك والشعور بإجهاد العين.
ومن أعراض إرهاق العين:
- جفاف العين.
- عدم وضوح الرؤية.
- حكّة العين.
- صعوبة إبقاء العين مفتوحة.
- الصداع.
2. قصر في النظر
رغم قلة البيانات المتاحة التي تتناول التأثيرات طويلة المدة للواقع الافتراضي، ثمّة مخاوف من أنّ التعرّض لفترات طويلة للشاشات على مثل هذه المسافات القصيرة، يمكن أن يسبّب مزيدًا من حالات قصر النظر بين مُرتديها.
وتشِير التوقعات عمومًا إلى أنّ ما يصل إلى 50% من سكّان العالم قد يُصابون بقصر النظر بحلول عام 2050، حسب مجلة الأكاديمية الأمريكية لطب العيون.
اقرأ أيضًا:العلاج بالواقع الافتراضي.. حل واعد لاضطرابات الصحة النفسية
3. الدوخة وداء الحركة
قد تؤدِّي مشاهدة صورة تتضمّن حركة، تمنح الدماغ نفس الإشارات البصرية التي يتلقّاها في أثناء الحركة الجسدية الفعلية (يفسّر الدماغ الحركة في العالم الافتراضي، كما لو كانت حركة حقيقية للجسم)، ولهذا السبب قد يؤدي استخدام أجهزة الواقع الافتراضي إلى الدوخة.
وإن كُنت عرضةً لداء الحركة في أثناء ركوب قطار الملاهي أو القارب، فمن المُرجّح أن تكون عرضة له أيضًا مع استخدام الواقع الافتراضي أيضًا.
كيف تضرّ أجهزة الواقع الافتراضي العين؟
ثمّة أساس علمي يُوضِّح كيف يؤثّر الواقع الافتراضي في عينيك. إليك في الآتي جانبًا من كيفية استجابة العيون عندما يغمرها العالم الافتراضي، حسب موقع "Ophthalmology24":
1. التكيّف والتقارب البصري
التكيّف والتقارب عمليتان أساسيتان تقوم بهما العين للتركيز على الأشياء على مسافات مختلفة. وتعرض أجهزة الواقع الافتراضي الصور مباشرةً على عيون المُستخدِم، التي تستقبل العُمق والمسافة بشكل مختلف عمّا تدرِكه عند النظر إلى العالم الحقيقي.
وهذا قد يسبّب إزعاجًا لبعض الناس، إذ تحاول أعينهم التكيّف مع البيئة الافتراضية بمسافة وعُمق الأشياء في العالم الافتراضي.
2. داء الحركة
إذا كانت الأجهزة أو البرامج غير مناسبة أو ضعيفة الأداء، فقد يحدث تأخير بين حركة المستخدِم والتغيير المقابل في بيئة الواقع الافتراضي، بما قد يؤدِّي إلى زيادة زمن الاستجابة، الذي يُسهِم في الإصابة بداء الحركة، المتضمِّن انزعاجًا شديدًا في العين والجسم.
وقد نجحت الأنظمة المتقدمة في تقليل هذه المشكلة بدرجة كبيرة، ومع ذلك، فقد صُمِّمت بعض ألعاب وتطبيقات الواقع الافتراضي لإثارة شعور الدوخة عن قصد، كجزءٍ من التجربة.
هل الواقع الافتراضي أشدّ ضررًا على العين من شاشة التلفاز؟
بالمقارنة مع شاشات التلفزيون التقليدية، فإنّ أجهزة الواقع الافتراضي تفرض على العين مُتطلّبات أكبر، نظرًا لقُربها وطبيعتها الغامرة.
ففي أثناء مشاهدة التلفزيون، تظل عيناك على مسافة ثابتة من الشاشة، مما يقلل الحاجة إلى تغيير التركيز البصري، بينما يجبِر الواقع الافتراضي العينين التركيز على إشارات العمق الافتراضية داخل المشهد الافتراضي باستمرار، مما قد يؤدي إلى إجهاد أكبر بمرور الوقت.
ومع ذلك، فإنّ شاشات التلفزيون ليست مثالية، إذ يُسهِم الجلوس مُطوّلا أمامها، خاصةً في البيئة ذات الإضاءة المنخفضة في إجهاد العين الرقمي، الذي يتسم بالجفاف والتهيّج والتعب، لذلك يظلّ الاهتمام بعدم قضاء وقت طويل أمام الشاشة أو في استخدام جهاز الواقع الافتراضي مفتاح الحفاظ على صحة العين.
اقرأ أيضًا:دراسة تكشف أثر التمارين الافتراضية على الصحة النفسية
هل يُسمَح للأطفال باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي؟
تقول معظم الشركات المُصنّعة لأجهزة الواقع الافتراضي أنّ الجهاز غير مناسب للأطفال دون سن 12 أو 13 عامًا.
ورغم عدم وجود دراسات طويلة الأمد، يتفق أطباء العيون على أنّه لا يُوجَد سبب للقلق من أنّ أجهزة الواقع الافتراضي قد تضرّ نمو العين أو صحتها أو وظيفتها.
ويقول الدكتور "ستيفن ليبسكي"، أخصائي طب عيون الأطفال الذي يمارِس عمله في جورجيا: "قد تكون القيود العمرية لتكنولوجيا الواقع الافتراضي منطقية بالنسبة للمحتوى، ولكن بقدر ما نعلم، لا تشكّل هذه التكنولوجيا أي تهديد للعينين".
كيف تحمي عينيك خلال استخدام الواقع الافتراضي؟
يمكن التقليل من مخاطر الواقع الافتراضي على العيون باتّباع بعض النصائح السهلة، منها:
- فترات راحة: أو تطبيق قاعدة "20-20-20"، المتمثّلة في أخذ قسط من الراحة لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة، والتركيز على شيءٍ بعيد مسافة 20 قدمًا (6 متر)، فهذا يساعد على استرخاء عضلات العين وتقليل التعب.
- ضبط الإعدادات: يمكن أن يؤدي تكوين IPD الخاص بسماعة الرأس بطريقة صحيحة وضمان التركيز الواضح على منع الإرهاق غير الضروري للعين، وتحتوي بعض الأجهزة الحديثة على أدلّة أو تعديلات تلقائية للمساعدة في ذلك.
- الحد من الجلسات: أيضًا قد يساعد تقليل مقدار الوقت الذي تقضيه في الواقع الافتراضي إلى منع تفاقم الأعراض، مثلا يمكنك البدء بجلساتٍ أقصر زمنًا، وزيادة مُدّتها تدريجيًا، بما يساعد عينيك على التكيّف.
- استخدام معدّات عالية الجودة: يُسهِم الاستثمار في سماعة رأس عالية الدقة ذات مُعدّل تحديث سريع "refresh rate" في زيادة شعورك بالراحة، كما أنّ الأجهزة ذات العدسات القابلة للتعديل والتصميمات المريحة مفيدة بشكلٍ خاص.
- ممارسة تمارين العين: تمارين بسيطة، مثل تحويل التركيز بين الأشياء القريبة والبعيدة، فهذا يساعد في الحفاظ على مرونة العين وتقليل التوتر.
اقرأ أيضا: دراسة: الواقع الافتراضي قد يوفر بديلاً آمناً للمخدرات في تعزيز الصحة النفسية
المستقبل بين الواقع الافتراضي وصحّة العين
رغم محدودية الأبحاث الحالية حول الواقع الافتراضي وصحة العين على المدى الطويل، يتفق معظم الخبراء على أنّ الاستخدام المعتدل للواقع الافتراضي من غير المُرجّح أن يسبّب ضررًا دائمًا.
ومع ذلك، فإنّ المستخدمين الذين لديهم مشكلات مسبقة بالعين بالفعل، مثل قصر أو طول النظر، قد يكونون أكثر عرضة للانزعاج، وكذلك الأطفال الذين لا تزال أنظمتهم البصرية في طور النمو، قد يكونون أكثر عرضة للخطر، ويجب عليها استخدام الواقع الافتراضي بحذر وتحت إشراف الكبار.
لكن في العموم، قد تؤدي التطورات المستقبلية في تكنولوجيا الواقع الافتراضي إلى تخفيف مخاطر إرهاق العين بشكلٍ أكبر، ومن المرجح أن تصبح التجربة البصرية للواقع الافتراضي أكثر راحة.
