دراسة: موجات الحر والتلوث الهوائي يرفعان خطر الاكتئاب
أظهرت دراسة علمية حديثة أن التعرض لموجات الحر، والتلوث الهوائي، ونقص المساحات الطبيعية المائية (المساحات الزرقاء) يرتبط بزيادة كبيرة في خطر الإصابة بالاكتئاب، لا سيما لدى الفئات المتقدمة في السن.
اعتمدت الدراسة المنشورة في مجلة Journal of Environmental Psychology، التي قادها فريق من الباحثين بقيادة ويكي وانغ ، على تحليل بيانات المسح الصيني للصحة والتقاعد (CHARLS)، وهو مشروع بحثي وطني يرصد أوضاع البالغين الذين تتجاوز أعمارهم 45 عامًا. شملت العينة 12,316 مشاركًا من 124 مدينة في 28 مقاطعة صينية، بمتوسط عمر يقارب 58 عامًا.
وجرى ربط هذه البيانات بمعلومات عن جودة الهواء وموجات الحرارة ومستوى الغطاء النباتي والمائي في المدن. وخلص الباحثون إلى أن موجات الحر تزيد احتمالية الاكتئاب بنسبة تتراوح بين 4% و14%، بينما يرتفع خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 25% لكل زيادة مقدارها 10 ميكروغرامات في المتر المكعب من الهواء، يرتفع خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 25% عند ارتفاع جزيئات PM2.5 الدقيقة، وبنسبة 13% عند ارتفاع جزيئات PM10 الأكبر حجمًا، وبنسبة 55% عند زيادة مستويات غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) في الهواء.
أثرقلة وجود المساحات الزرقاء
أظهرت الدراسة أيضًا أن قلة وجود المساحات الزرقاء مثل الأنهار والبحيرات والسواحل تؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية والاكتئاب، خاصة في المناطق الحضرية الكثيفة. وأشارت النتائج إلى تأثير تراكمي خطير عند اجتماع العوامل البيئية الثلاثة (الحر، التلوث، وانعدام المساحات الطبيعية)، إذ ترتفع احتمالات الاكتئاب بدرجة تفوق مجموع تأثير كل عامل على حدة.
وأوضح الباحثون أن هذه التفاعلات المعقدة بين العوامل المناخية والبيئية تُضعف التوازن النفسي وتزيد الاضطرابات المزاجية، مشيرين إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى موجات حر أشد تكرارًا، ويضاعف من تلوث الهواء عبر احتباس الملوثات وزيادة الانبعاثات.
اقرأ أيضا: تصنيف علمي جديد يكشف الفروق البيولوجية بين مضادات الاكتئاب لأول مرة (تفاصيل)
أكد الفريق البحثي أن النتائج تسلّط الضوء على الحاجة الماسّة لتبنّي استراتيجيات صحية وبيئية مشتركة تهدف إلى الحد من التلوث، وحماية المساحات الخضراء والزرقاء، خصوصًا خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة. وكتب الباحثون:
“تُظهر النتائج أن موجات الحر والتلوث الهوائي ونقص المساحات الزرقاء تؤثر سلبًا على الصحة النفسية بشكل تراكمي. وينبغي تطوير سياسات عامة للحد من الملوثات والحفاظ على البيئة الطبيعية بوصفها خط دفاع ضد الاضطرابات النفسية.”
تأتي هذه النتائج في سياق متنامٍ من الأدلة التي تؤكد أن تغير المناخ لا يهدد البيئة فقط، بل ينعكس أيضًا على الصحة العقلية. فالتقلبات المناخية المتطرفة — من حرائق وفيضانات — باتت تولّد شعورًا دائمًا بعدم الأمان والقلق البيئي، أو ما يُعرف بـ«الاضطراب البيئي النفسي» (Eco-Anxiety)، الذي يطال فئات واسعة خصوصًا الشباب والمزارعين وسكان المناطق الفقيرة.
ويخلص الباحثون إلى أن مؤشر جودة الهواء ودرجات الحرارة باتا من أهم محددات الصحة النفسية في القرن الحادي والعشرين، وأن التعايش مع التغير المناخي لم يعد يتطلب حلولًا اقتصادية فقط، بل رؤية شاملة تدمج بين البيئة والعقل البشري.
