الحسن بن رزق لـ"الرجل": حولت شغفي إلى براءة اختراع في "الناقل الذكي للأدوية"
في زمن تتسارع فيه الابتكارات الطبية لتخدم الإنسان وتحمي صحته، يطل علينا شاب سعودي من نجران، جمع بين شغف العلم وجرأة الاكتشاف، ليحوّل فكرة طموحة إلى إنجاز عالمي.
الحسن بن رزق، طالب علوم الصيدلة، استطاع أن يحصد براءة اختراع بابتكاره "الناقل الذكي للأدوية"، الذي يُعيد صياغة مفهوم توصيل العلاج، عبر منظومة متطورة تضمن سلامة الدواء وجودته حتى لحظة وصوله للمريض.
بين مسيرة أكاديمية مُلهمة وتجربة بحثية مدعومة من أعرق المؤسسات العلمية، يقف الحسن نموذجًا للشاب السعودي القادر على تحويل المعرفة إلى قيمة إنسانية، وعلى جعل الابتكار بوابة للمستقبل.
في هذا الحوار التقت منصة "الرجل" الحسن بن رزق، لنقترب أكثر من قصته، ونسبر تفاصيل فكرته، لنكتشف معًا كيف وُلد هذا الاختراع، وما الذي يطمح إليه في القادم من الأيام، وإلى نص الحوار:
رحلة علمية صنعتها التحديات والطموح
كيف تصف مسيرتك العلمية والعملية حتى الوصول إلى هذه المرحلة؟
مسيرتي كانت رحلة بحث دائم عن التميز، بدأت من مقاعد كلية الصيدلة بحلم أن أكون مختلفًا، واليوم أجد نفسي أعمل على مشاريع ابتكارية تخدم الإنسان والوطن، لم تكن الطريق سهلة، لكن كل تحدٍ كان محطة لصناعة إنجاز جديد.
وقد تعلمت أن كل خطوة، حتى وإن بدت صغيرة أو عابرة، كانت تصنع فارقًا في رؤيتي للمستقبل، التجارب التي مررت بها، والاحتكاك بالكوادر العلمية، وحتى العقبات التي واجهتها، جميعها ساعدتني على بناء شخصية أكثر إصرارًا، وأعطتني يقينًا أن المثابرة هي مفتاح الوصول لأي نجاح.

ما الذي ألهمك لربط مجالك في الأدوية بالتقنية والذكاء الاصطناعي؟
أدركت أن الصيدلة لا تنفصل عن التقنية، فالمريض اليوم يحتاج إلى حلول أسرع وأكثر دقة، التقنية والذكاء الاصطناعي ليست ترفًا، بل أصبحت أداة أساسية لإنقاذ الأرواح وصناعة مستقبل دوائي آمن.
وكلما تعمقت في مجالي، ازداد اقتناعي بأن الدمج بين الصيدلة والتقنية يفتح آفاقًا جديدة لم نكن نتصورها من قبل، سواء في تتبع الأدوية أو تحسين جودة العلاج، هذه القناعة جعلتني أومن أن المستقبل الصحي لن يُبنى إلا بيدٍ تجمع بين العلم الطبي وأدوات التكنولوجيا الحديثة.
ما أبرز ما يميز ابتكارك “الناقل الذكي للأدوية”؟
إنه يتجاوز فكرة كونه وسيلة نقل إلى كونه منظومة حماية، يجمع بين المقاومة الفيزيائية والتحليل الذكي، ليضمن أن الدواء يصل كما خرج، دون أن يفقد فعاليته، وهذا برأيي هو الفرق بين الحلول التقليدية والحلول المبتكرة.
كما أنه يمثل نقلة نوعية في كيفية تعاملنا مع الدواء؛ لأنه لا يكتفي بنقل العبوة فقط، بل يحفظ خصائصها ويصون قيمتها العلاجية، الابتكار هنا ليس في الشكل أو الآلية فحسب، وإنما في الفكر الذي يقوده، إذ يضع المريض في قلب العملية ويجعل سلامته أولوية مطلقة.
الأمن الدوائي وتعزيز مكانة المملكة في مواجهة الأزمات
إلى أي مدى يمكن أن يسهم ابتكارك في تعزيز قدرات المملكة؟
أرى أنه خطوة في اتجاه الأمن الدوائي الوطني، عندما نؤمن بيئة تحفظ الأدوية وتضمن وصولها، فنحن ندعم الاستقلالية الصحية للمملكة ونعزز جاهزيتها في الطوارئ والأزمات.
فالأمن الدوائي ليس مجرد مشروع تقني، بل هو جزء من استراتيجية وطنية كبرى تجعل المملكة أقل اعتمادًا على الخارج وأكثر قدرة على حماية مواطنيها، وهذا الابتكار، وإن كان في بداياته، إلا أنه يُعطي نموذجًا عمليًا لكيفية توطين الحلول الطبية وتحويلها إلى أدوات استراتيجية في خدمة الوطن.
ما هي الخطوات المقبلة لتطوير الناقل الذكي للأدوية؟
نعمل على تطويره ليكون جزءًا من منظومة رقمية متكاملة، مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وأنظمة التتبع، الهدف أن يتحول من ابتكار إلى صناعة وطنية تدار بفكر سعودي وتخدم الأسواق المحلية والعالمية.
نطمح أيضًا إلى إدخاله في شراكات مع قطاعات حيوية مثل المستشفيات الكبرى، وشركات التوزيع، وحتى الجهات الحكومية، ليصبح عنصرًا أساسيًا في منظومة الأمن الصحي، وكل هذه الخطوات ستجعل المشروع أكثر نضجًا، وأكثر قدرة على المنافسة عالميًا.
كيف دعمتك الجامعات ومراكز البحث؟
وفرت لي بيئة للتعلم والتجربة، والأهم أنها منحتني الثقة بأن الفكرة يمكن أن تتحول إلى واقع، وهذا الدور هو ما نصنع به جيلًا جديدًا من الباحثين والمبتكرين.
فالجامعة ليست مجرد مكان للدراسة، بل هي حاضنة للطاقات، من خلالها وجدت الإرشاد العلمي، والتوجيه العملي، وحتى الدعم المعنوي الذي يشجعك على الاستمرار، هذه التجربة جعلتني أوْمن بأن الاستثمار الحقيقي في العقول الشابة هو ما يصنع المستقبل.
كيف ترى انعكاس دعم القيادة للمبتكرين؟
الدعم ليس مجرد كلمات، بل رؤية واضحة وتجسدت في مبادرات ومؤسسات تحتضن الأفكار، بالنسبة لي، كان هذا الدعم بمثابة رسالة: أن جهد الفرد جزء من مشروع وطني كبير، وهذا يعطيني دافعًا مضاعفًا للاستمرار.
حين ترى أن قيادتك تضع الابتكار في صلب رؤيتها، تدرك أن عملك مهما كان صغيرًا له مكان في الصورة الكبرى، هذا الشعور بالانتماء يعزز الثقة ويجعلنا نعمل بروح الفريق من أجل وطن واحد ورؤية مشتركة.
ما أبرز التحديات التي تواجه المبتكرين السعوديين؟
التحديات موجودة، مثل الانتقال من الفكرة إلى خط الإنتاج، لكن الأهم أن البيئة تتغير بسرعة، ما كان عائقًا بالأمس أصبح فرصة اليوم بفضل تسهيلات الدولة وصناديق الدعم والوعي المجتمعي المتنامي.
ورغم أن العقبات تظل حاضرة، مثل قلة الخبرة الصناعية أو الحاجة لتمويل أكبر، إلا أن وجود منظومة دعم قوية يجعلنا واثقين أن هذه التحديات ليست نهاية الطريق، بل هي محطات تعلّم تدفعنا لاكتشاف حلول أكثر إبداعًا.
جيل جديد من المبتكرين
كيف نبني جيلًا جديدًا من المبتكرين السعوديين؟
بالجمع بين المعرفة الأكاديمية والتجربة العملية، يجب أن نتيح للشباب فرصة المحاولة، حتى لو أخطأوا، فالخطأ جزء من صناعة النجاح، والجيل الذي يتعلم من التجربة سيكون أقدر على قيادة المستقبل.
والأهم أن نغرس فيهم الثقة بأن أفكارهم، مهما بدت بسيطة، لها قيمة، حين يُتاح للشباب فضاء للتجريب، مع منظومة تشجع ولا تعاقب، فإننا نخلق بيئة خصبة للإبداع المستدام.
كيف تقيم واقع الابتكار اليوم مقارنة بما كان قبل عشر سنوات؟
الفرق جوهري، قبل عشر سنوات كان الابتكار جهدًا فرديًا، أما اليوم فهو منظومة وطنية مدعومة برؤية، وبنية تحتية، ومؤسسات متخصصة، أصبح الابتكار لغة عامة وليست مبادرات معزولة.
اقرأ أيضًا: رائدة الأعمال السعودية نادين عطار: والدي شريك نجاحي.. وتصاميمي لمن يقدّر الاختلاف
إن ما نشهده اليوم هو تحول نوعي؛ حيث لم يعد الابتكار خيارًا فرديًا بل مسؤولية جماعية، وهذا التطور السريع يمنحنا فرصة لتسريع الخطوات وتحقيق قفزات نوعية في مختلف المجالات.
ما أثر ابتكاراتك في تحقيق مستهدفات رؤية 2030؟
ابتكارات مثل “الناقل الذكي للأدوية” تصب مباشرة في مستهدفات الرؤية: الأمن الصحي، توطين التقنية، وتنمية الصناعات الوطنية، بمعنى آخر، ما نعمل عليه ليس مبادرات فردية بل لبنات في بناء وطني شامل.
كل مشروع يُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويعزز مكانة المملكة على الخريطة العالمية، هو تجسيد عملي للرؤية، وبالنسبة لي، أشعر أن ابتكاري جزء من منظومة كبرى تتجاوز حدودي الشخصية لتصل إلى خدمة وطن بأكمله.
ما نصيحتك للشباب السعودي الطموح في مجال الابتكار؟
أقول لهم: الفرصة اليوم بين أيديكم، لا تنتظروا المثالية لتبدأوا، الفكرة الصغيرة قد تصنع فارقًا كبيرًا إذا آمنتم بها وعملتم عليها، والنجاح ليس أن تصل بسرعة، بل أن تستمر بثبات، وأضيف أن الطريق لن يكون مفروشًا بالورود، لكن من يسعى بجدية ويستفيد من البيئة الداعمة التي توفرها المملكة، سيجد أن كل جهد يبذله اليوم سيعود عليه وعلى وطنه بأضعاف في الغد.
