الذكاء الاصطناعي يُقنعك أكثر من البشر.. والدليل العلمي حاضر
في سابقة علمية تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التواصل الرقمي، أثبتت دراسة حديثة أن النماذج اللغوية الكبيرة مثل "تشات جي بي تي" ChatGPT – حين تُزوّد بمعلومات شخصية أساسية – تستطيع التفوق على البشر في النقاشات عبر الإنترنت من حيث التأثير والإقناع.
وقد أجرى الدراسة الباحث فرانشيسكو سالفي Francesco Salvi، الطالب في مرحلة الدكتوراه بجامعة برينستون، بمشاركة باحثين من مؤسسات علمية أخرى.
واعتمد الباحثون في الدراسة المنشورة في مجلة Nature Human Behaviour على تجربة ميدانية قوامها نحو 900 مشارك، دخلوا في مناظرات حيّة ضمن منصة مخصصة، وقد وُزّع المشاركون عشوائيًا لمواجهة إما خصم بشري أو نسخة مخصصة من نموذج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" GPT-4.
وشملت التجربة متغيرات دقيقة، أبرزها تزويد بعض الخصوم بمعلومات ديموغرافية أساسية عن الطرف الآخر، مثل العمر، الجنس، المستوى التعليمي، والانتماء السياسي.
نتفليكس تعتمد على الذكاء الاصطناعي لخفض تكاليف إنتاج "The Eternauts"
النتائج كانت لافتة؛ إذ تفوّق GPT-4 بنسبة 64.4% من الحالات التي لم يتعادل فيها الطرفان، ما يُترجم إلى ارتفاع في احتمالية تغيير رأي الخصم بنسبة 81% مقارنة بالحالات التي شارك فيها طرفان بشريان فقط. وكان التأثير أكثر وضوحًا حين تعلّق الأمر بمواضيع لا يحمل المشاركون فيها آراء مسبقة قوية.
رسائل الذكاء الاصطناعي المخصصة تثير مخاوف مستقبلية
أشار الباحثون إلى أن قوة GPT-4 لم تكمن في أسلوب الخطاب، بل في دقة اختيار المحاور وفقًا للمعلومات الشخصية المتاحة. فعلى سبيل المثال، حين دار الجدل حول الدخل الأساسي الشامل (UBI)، قدّم الذكاء الاصطناعي حججًا مختلفة للجمهوريين والديمقراطيين: الأولى اقتصادية، والثانية اجتماعية.
ما يلفت النظر أكثر، بحسب الدراسة، هو أن البشر الذين حصلوا على نفس البيانات الشخصية عن خصومهم لم يتمكنوا من استخدامها بفعالية في النقاش، ما يكشف أن الذكاء الاصطناعي يتفوق في قدرته على "التخصيص الذكي" للرسائل.
السعودية وxAI على أعتاب شراكة... توسع استراتيجي نحو ريادة الذكاء الاصطناعي
المخاوف تتصاعد من أن تؤدي هذه الإمكانات إلى موجات جديدة من التأثيرات الموجهة سياسيًا أو أيديولوجيًا، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الكبرى حول العالم.
ففي تصريح لموقع PsyPost، قال سالفي: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإقناع الذكاء الاصطناعي الفائق أصبح حقيقة"، مُحذرًا من استخدام هذه التقنيات على نطاق واسع في حملات تضليل أو دعايات سياسية دقيقة يصعب تعقّبها أو مواجهتها.
لكن في المقابل، يرى سالفي أن لهذه التكنولوجيا جانبًا مشرقًا يمكن استثماره في تعزيز السلوكيات الصحية، والتقليل من الاستقطاب السياسي، ومكافحة نظريات المؤامرة، عبر أدوات مقنعة وشخصية تساعد الأفراد على التغيير الإيجابي.
ورغم فعالية التجربة، حذر الباحثون من تعميم النتائج على النقاشات المفتوحة في الإنترنت، مشيرين إلى أن المناظرات في الدراسة كانت محدودة زمنًا وبنيت على نمط أكاديمي منظم، ما قد لا يعكس فوضى النقاشات الرقمية الواقعية.
