كيف غيّرت رسوم ترامب الجمركية خريطة التجارة العالمية في 2025؟

قد تعتقد أن قصة ترامب مع الرسوم الجمركية جديدة أو وليدة فترته الرئاسية الثانية، لكن الحقيقة أنها ليست سوى امتداد لما فعله في يناير 2018، عندما فرض رسومًا جمركية على واردات مكونات الألواح الشمسية والغسّالات المنزلية كبيرة الحجم، وذلك لنفس الأسباب التي يبرر بها خطواته الأخيرة، والمتمثلة في إنعاش الصناعة المحلية في بلاده.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك التاريخ وتلك السلع، حيث عاد في مارس 2018 أيضًا وفرض تعريفة جديدة بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألومنيوم ، حسب رويترز آنذاك، وقدر برر ذلك بأنه إجراء ضروري للأمن القومي ولدعم الإنتاج الأمريكي وتوفير المزيد من الوظائف في قطاعات الصناعة الحساسة.
الخط الزمني لرسوم ترامب الجمركية
يناير 2025

في 20 يناير 2025 عاد ترامب للمكتب البيضاوي وأدى اليمين الدستورية ليكون رئيسًا للولايات المتحدة في فترته الثانية، واستكمل ما بدأه في الفترة الأولى ووعد -نصًّا- بـ"فرض تعريفات وضرائب على الدول الأجنبية لإثراء مواطنينا"، كما أفصح عن خططه لإنشاء وكالة جديدة -لم تر النور بعد- باسم "دائرة الإيرادات الخارجية External Revenue Service".
في نفس اليوم، قال دونالد ترامب أيضًا إنه يتوقع فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كلٍ من كندا والمكسيك، اعتبارًا من 1 فبراير 2025، مع تأجيل الحديث عن الصين التي سيأتي لاحقًا ويُمطرها بمجموعة من التعريفات التي ستثير سخرية عالمية لعدم منطقيتها!
وفي 26 يناير 2025، خرج ترامب مجددًا وهذه المرة من أجل كولومبيا، التي هددها بفرض تعريفات بنسبة 25% على جميع وارداتها، وذلك إلى جانب إجراءات انتقامية أخرى، وكل ذلك لأن الرئيس الكولومبي رفض استقبال طائرتين عسكريتين أمريكيتين تحملان مهاجرين إلى بلاده، مُتهمًا ترامب بإساءة معاملة المهاجرين في أثناء الترحيل.
فبراير 2025

1 فبراير 2025؛ جاء اليوم الموعود وفرض ترامب فعلًا رسومًا جمركية على الواردات الكندية والمكسيكية، وضم إليهما الصينية، وبلغت نسبة الرسوم على المكسيك وكندا 25%، بينما كانت 10% على الصين، لكن هذه ليست سوى البداية.
بعد يومين فقط، ونتيجة لرد الفعل، علَّق ترامب تهديداته للمكسيك وكندا لمدة 30 يومًا، بينما بقيت الرسوم على الصين جارية كما هي، لكن الأخيرة لم تقف مكتوفة الأيدي، وقررت في اليوم التالي (4 فبراير 2025) أن تواجه الولايات المتحدة بحزمة من الرسوم المضادة، التي شملت مجموعة متنوعة من السلع، فضلًا عن فتح تحقيق لمكافحة الاحتكار ضد شركة جوجل.
في 10 فبراير 2025، صرح ترامب بأنه ينوي رفع التعريفات على الصلب والألومنيوم إلى 25%، وفي 13 فبراير 2025، تعهد الرئيس الأمريكي بزيادة التعريفات الأمريكية لتتوافق مع معدلات الضرائب التي تفرضها الدول الأخرى على الواردات، وذلك لتحقيق العدالة for purposes of fairness على حد قوله.
في 25 فبراير 2025، طالب ترامب وزير التجارة بالنظر في إمكانية فرض رسوم جمركية على واردات مادة النحاس، بحجة أن هذا المعدن لم يعد مجرد سلعة تجارية، وإنما عنصر حيوي يمس صميم الأمن القومي الأمريكي، كونه يدخل في صناعة كل شيء تقريبًا.
مارس 2025

بعد أقل من أسبوع؛ في 1 مارس 2025، جاء توجيه آخر من الرئيس الأمريكي لوزير التجارة بأن يدرس جدوى فرض التعريفات على الأخشاب والمنتجات المصنوعة منها، لأنها أيضًا -حسب ترامب- تمس الأمن القومي الأمريكي.
في 4 مارس 2025، أشعلت إدارة ترامب شرارة حروب تجارية، إذ بدأت بتطبيق رسوم جمركية بنسبة 25% على معظم الواردات القادمة من كندا والمكسيك، مع استثناءات محدودة، كما ضاعفت الرسوم على جميع الواردات الصينية لتصل إلى 20%.
الدول الثلاث ردت على أمريكا بطرقها الخاصة، حيث رد رئيس الوزراء الكندي (سابقًا) جاستن ترودو برسوم انتقامية تفوق الـ100 مليار دولار أمريكي خلال 21 يومًا، بينما اكتفت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم بالتهديد دون تنفيذ، في حين فرضت الصين 15% على مجموعة من الصادرات الأمريكية.
وفي 5 و6 مارس، تراجع ترامب خطوة للخلف، فسمح بإعفاء مؤقت لمدة شهر على بعض الرسوم المفروضة على واردات السيارات من المكسيك وكندا، مع ذلك، واصل الضغط ملوحًا برسوم متبادلة اعتبارًا من 2 أبريل.
وفي 12 مارس، دخلت الرسوم الأمريكية الجديدة على الصلب والألومنيوم حيز التنفيذ، وألغيت كل الاستثناءات السابقة، حينها، دخل الاتحاد الأوروبي السباق متوعدًا برسوم انتقامية على واردات أمريكية بقيمة 28 مليار دولار؛ على ألا يبدأ التنفيذ حتى منتصف أبريل.
وفي 13 مارس، أعلنت كندا رسميًا فرض رسوم جديدة بقيمة 20.7 دولار أمريكي تقريبًا، ليظل مشهد التصعيد والتهدئة المؤقتة متأرجحًا.
في 24 مارس، صعّد ترامب من حدة المواجهة التجارية العالمية بإعلانه عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات القادمة من أي دولة تشتري النفط أو الغاز من فنزويلا، إلى جانب فرض رسوم جديدة على فنزويلا نفسها بدءًا من 2 أبريل.
بعدها بيومين فقط، وتحديدًا في 26 مارس، أعلن ترامب عن رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات، بدعوى تحفيز التصنيع المحلي.
اقرأ أيضًا: بعد رفع الضرائب الجمركية.. حرب الصين وأمريكا تصل للمنتجات الفاخرة على TikTok
أبريل 2025

بحلول 2 أبريل 2025 أصبحت الواردات الصينية تخضع لضريبة 34%، وواردات الاتحاد الأوروبي 20%، وكوريا الجنوبية 25%، واليابان 24%، وتايوان 32%، فيما أبدت الإدارة الأمريكية استعدادها لخفض الرسوم إلى 12% إذا ما استجابت كندا والمكسيك لمطالبها حول قضايا الهجرة وتهريب المخدرات.
في المقابل، لم يتأخر الرد الصيني طويلًا، إذ أعلنت بكين في 4 أبريل عن رسوم مقابلة بنسبة 34% على المنتجات الأمريكية اعتبارًا من 10 أبريل، مع فرض قيود جديدة على تصدير المعادن النادرة وتوسيع قائمة الشركات الأمريكية الخاضعة للعقوبات التجارية.
في الخامس من أبريل 2025، أصبحت معظم الواردات العالمية خاضعةً لتعرفة جمركية 10%، وفي التاسع من الشهر ذاته، ارتفعت الضرائب الجمركية على عشرات الدول، لكن من حسن الحظ أن ترامب علّق معظم هذه الزيادات لمدة 90 يومًا، مع الإبقاء على تعرفة الـ 10%.
الاستثناء الأكبر هنا كان الصين، إذ قفزت الرسوم المفروضة عليها إلى 125% ردًا على تعنتها وتصعيدها، الذي وصل 84% في 10 أبريل، ثم إلى 125% في اليوم التالي 11 أبريل.
في ذلك الوقت، دخلت كندا على الخط بتطبيق تعرفة 25% على واردات السيارات الأمريكية غير المتوافقة مع اتفاقية USMCA، بينما صوّت الاتحاد الأوروبي على حزمة رسوم انتقامية بقيمة 23 مليار دولار، مع جدولة التنفيذ على مراحل تبدأ منتصف أبريل وحتى ديسمبر.
الولايات المتحدة أدركت لاحقًا أنها بالغت في قراراتها فاستثنت -في 11 أبريل- بعض القطاعات مؤقتًا، وعلى رأسها الإلكترونيات، ثم خففت العيار على مُصنّعي السيارات أيضًا -في 14 أبريل- حتى تُمهلهم بعض الوقت لتعديل سلاسل التوريد.
مايو 2025
في 3 مايو، عادت الرسوم على السيارات بنسبة 25% وعاد ترامب، عندما هدد بفرض تعرفة جمركية تصل إلى 100% على الأفلام الأجنبية، مُدعيًا أن صناعة السينما الأمريكية تحتضر دون أي يُعطي أي تفاصيل واضحة حول كيفية تطبيق هذا التهديد الجديد!
توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع بريطانيا في 8 مايو يهدف إلى تقليل الأعباء الجمركية، وفتح الأسواق أمام البضائع الأمريكية، وذلك مقابل خفض الرسوم على 100 ألف سيارات بريطانية سنويًا من 27.5% إلى 10%؛ إلى جانب إلغاء الرسوم على الصلب والألومنيوم.
توصلت أمريكا أيضًا إلى هدنة مع الصين في 12 مايو، حيث اتفق الطرفان على التراجع عن معظم الرسوم السابقة وإعلان هدنة تستمر 90 يومًا، حيث خفضت واشنطن الرسوم على البضائع الصينية من 145% إلى 30%، في حين قلصت بكين رسومها على المنتجات الأمريكية من 125% إلى 10%.
مع نهاية الشهر، عاد التوتر للواجهة مجددًا، ففي 23 مايو، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% لكن هذه المرة على منتجات شركة آبل ما لم تُصنّع أجهزة الآيفون داخل أمريكا.
دفع هذا التهديد الشركة لإعادة النظر في سلاسل التوريد وتقليص الاعتماد على عدو أمريكا (الصين)، لصالح الهند وفيتنام حيث العمالة الرخيصة أيضًا، لكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة لترامب.
أما الاتحاد الأوروبي، فواجه تهديدًا هو الآخر برسوم تصل إلى 50% على وارداته إلى الولايات المتحدة بدءًا من 1 يونيو، لكن ذلك كان قبل أن يعلن ترامب عن تأجيل تنفيذ هذه الرسوم حتى 9 يوليو لمنح المفاوضات فرصة أخيرة.
كيف تؤثر رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد العالمي؟

ما إن دخلت رسوم ترامب حيز التنفيذ في ربيع العام الجاري، حتى بدأ الاقتصاد العالمي يتضرر، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي!
الخبراء الاقتصاديون يرون أن هذه الرسوم لم تغيّر فقط قواعد التجارة العالمية، بل عطّلت سلاسل الإمداد، وأدخلت كثيرًا من الشركات الأمريكية في دوامة من التكاليف الإضافية والتعقيدات التشغيلية.
فالانتقال للبحث عن موردين جدد أو تغيير شبكات الإنتاج ليس أمرًا يُنجز بين ليلة وضحاها، ونتيجته تنعكس على ارتفاع تكاليف السلع على المستهلك الأمريكي نفسه، وانخفاض القدرة الشرائية وتقليل الإنفاق اليومي، إلخ من التبعات.
وبحسب تقريرٍ أجرته وكالة رويترز بنهاية مايو المنصرم، فإن حجم خسائر الشركات العالمية تجاوز الـ34 مليار دولار حتى الآن، وهذا الرقم قابل جدًا للزيادة مع حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق.
عشرات الشركات الكبرى مثل آبل وفورد وسوني وبورشه، اضطرت إلى خفض توقعاتها للأرباح أو حتى سحبها بالكامل، مؤكدة أن الفوضى في السياسات التجارية جعلت من المستحيل تقدير كلفة الرسوم الحقيقية أو التخطيط للمستقبل.
آبل مثلًا تواجه مشكلات مالية كبيرة في الربع الحالي، حيث تقدر خسائرها بـ 900 مليون دولار بسبب التعريفات الجمركية، وقد صدرت تقارير تتوقع أن سعر الآيفون قد يصل إلى 2000 أو حتى 3000 دولار إذا خضعت آبل لمطالب ترامب ونقلت الإنتاج داخل الأراضي الأمريكية، وذلك يرجع لتكلفة العمالة هناك، إلى جانب أسباب أخرى، مما يدل على أن اقتصاد أمريكا نفسه مهدد بهذه "الضرائب التجارية".
اقرأ أيضًا: إرث النفوذ وفنون الإدارة: سر بقاء الشركات العائلية الكبرى في قلب الاقتصاد العالمي
التأثيرات السلبية لرسوم ترامب الجمركية على الشركات الصغيرة
أما الشركات الصغيرة، فلم تسلم هي الأخرى من الرسوم الجمركية؛ شركة مثل "EarthQuaker Devices" في أوهايو، والتي عبّرت عن قلقها الشديد، وغيرها من الشركات الأخرى التي باتت تقلص ساعات العمل أو تؤجل إطلاق منتجات جديدة أو حتى تُسرّح الموظفين.
بحسب الـCNN، فإن مؤشر تفاؤل الأعمال الصغيرة في أمريكا انخفض دون متوسطه التاريخي للعام الثاني على التوالي، بسبب حالة الشك التي تعيشها الشركات، وذلك نقلًا عن الاتحاد الوطني للأعمال الصغيرة.
حتى من استطاع النجاة مؤقتًا كان عليه أن يغيّر استراتيجيته بالكامل، فشركة "Manley Labs" على سبيل المثال، وهي شركة صغيرة لصناعة الإلكترونيات الصوتية الفاخرة، اضطرت لخفض ساعات عمل موظفيها بنسبة 25%، وتكبدت انخفاضًا في المبيعات بلغ أكثر من 19% مقارنة بالعام السابق، والأسواق التي بنتها الشركة عبر سنوات، خاصة في الصين، أصبحت فجأة صعبة الوصول ومكلفة التصدير بسبب الرسوم الانتقامية من بكين.
ورغم أن بعض الشركات تحاول التحايل بالبحث عن مصادر بديلة أو تنويع أسواقها، فإن هذا ليس متاحًا للجميع، خاصة من يعمل في قطاع حساس مثل الأجهزة الطبية.
سارة أوليري، مديرة شركة Willow لصناعة مضخات الثدي، اضطرت إلى إيقاف تصدير أحد منتجاتها المصنعة في الصين، بعد أن أصبح التصدير غير مجدٍ اقتصاديًا، وتعترف: "أي رسوم، حتى لو كانت منخفضة، تقتل الهامش القليل الذي نعيش عليه".
كيف تبدو التوقعات المستقبلية بشأن استمرار هذه السياسة؟

الواقع أن مصير رسوم ترامب الجمركية بات الآن معلقًا في الهواء؛ لا أحد يعرف كيف سينتهي أو متى، وخلال الأسبوع الأخير، دخلت السياسة التجارية للرئيس الأمريكي في حالة من اللايقين، بعد أن أبطلت محكمتان اتحاديتان الرسوم الأشمل التي فُرضت على عشرات الدول، بما في ذلك التعريفات على الصين وضريبة الـ 10% شبه الشاملة على معظم الواردات.
هذه الحالة الضبابية فرضت نقاشًا في الأوساط الاقتصادية والإعلامية حول مستقبل التعريفات الجمركية، وخبراء كثيرون يرون أن المواجهة قد تطول، وربما تصل حتى للمحكمة العليا الأمريكية، وهو سيناريو سيعني شهورًا أو حتى عامًا من التخبط؛ وليس فقط للشركات والمستوردين بل أيضًا للسياسة الاقتصادية الأمريكية ككل.
هناك أسئلة كثيرة مطروحة على الطاولة: هل ستبقى الرسوم أم ستُلغى فجأة؟ هل ستُرد الأموال المدفوعة من قبل الشركات المستوردة، ومتى؟
وبعض الاقتصاديين يرجح أن الشركات التي دفعت رسومًا جمركية يمكنها استرداد أموالها إذا انتهت القضية لصالحها، لكن إجراءات الاسترداد قد تستغرق سنوات، ولا أحد يعرف كيف ستكون الآلية ولا متى ستبدأ بالفعل.
الأمر الأكثر إثارة للقلق أن الإدارة الأمريكية، حتى إذا خسرت في المحاكم، تملك أدوات قانونية أخرى قد تلجأ إليها لمحاولة إعادة فرض الرسوم بشكل مختلف، على سبيل المثال، يمكن للبيت الأبيض الاستناد إلى قوانين قديمة مثل المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، أو المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962، وكل منها يتيح فرض رسوم جمركية تحت مسميات مثل "حماية الأمن القومي" أو "مكافحة سياسات أجنبية ضارة"، وإن كانت هذه القوانين تتطلب إجراءات وتحقيقات طويلة.
في نهاية المطاف، النصيحة المثالية التي يمكن أن تُقدَّم في هذه الظروف أنك إذا كنت صاحب عمل أو مجرد متابع، فراقب ما يجري عن كثب، وكن مرنًا في خططك، فهذه المرحلة ستتطلب قدرة كبيرة على التكيّف.