لماذا يجب على الشركات تطبيع موظفيها مع الذكاء الاصطناعي؟
في عالم يشهد تطورًا تكنولوجيًا متسارعًا، أصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في التحولات التي تحدث في بيئة الأعمال، ولا يقتصر دوره على كونه أداة تقنية فحسب، بل أصبح عاملًا محوريًا في تعزيز الكفاءة، ودعم الابتكار، وتحسين تجربة العملاء، ومع تنامي الاعتماد عليه في مختلف القطاعات، يتجاوز الذكاء الاصطناعي كونه مجرد تقنية، ليصبح شريكًا حقيقيًا للإنسان في إنجاز الأعمال.
وتواجه الشركات اليوم تحديات متزايدة، تتعلق بسرعة التغيير والتحولات الرقمية، ما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات تدمج الذكاء الاصطناعي ضمن عملياتها اليومية، ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تتطلب أكثر من مجرد الاستثمار في التكنولوجيا، بل تحتاج إلى تهيئة الموظفين، وتمكينهم من العمل جنبًا إلى جنب مع هذه الأدوات المتطورة.
وبفضل قدراته على تحليل البيانات، وأتمتة العمليات، وتعزيز الابتكار، تحول الذكاء الاصطناعي من تقنية ناشئة إلى أداة استراتيجية لا غنى عنها، ولكن مع ازدياد الاعتماد عليه، يبرز سؤال محوري: لماذا يجب أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من بيئة العمل؟ وكيف يمكن للشركات تطبيع موظفيها للعمل جنبًا إلى جنب مع هذه التقنية؟
دور الذكاء الاصطناعي في مستقبل العمل
يمكن تلخيص دور الذكاء الاصطناعي في مستقبل العمل من خلال النقاط التالية:
- التحول الرقمي وأتمتة العمليات:
يشهد العالم تحولًا رقميًا جذريًا، حيث تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات اليومية في مختلف الصناعات، وعلى سبيل المثال:
- في قطاع الرعاية الصحية، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع التشخيص وتحليل الصور الطبية.
- في قطاع التمويل، يتم أتمتة العمليات الحسابية المعقدة وكشف عمليات الاحتيال.
ووفقًا لتقرير صادر عن "شركة ماكنزي"، نُشر في أغسطس 2023، تحت عنوان "عام 2023: فجر حقبة جديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي"، أشار الاستطلاع العالمي السنوي الأخير إلى النمو الهائل في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد ذكر ثلث المشاركين في الاستطلاع أن مؤسساتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي بانتظام في قسم واحد على الأقل.
كما أفاد ما يقرب من 25% من المسؤولين التنفيذيين أنهم يستخدمون شخصيًا أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل، وأشار أكثر من 25% من المشاركين من الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، إلى أن الذكاء الاصطناعي مدرج في جداول أعمال مجالس إدارتهم، وبالإضافة إلى ذلك، يعتزم 40% من المشاركين زيادة استثماراتهم في الذكاء الاصطناعي نتيجة للتطورات في هذا المجال.
- الفجوة المهارية بين الإنسان والآلة:
يعد الذكاء الاصطناعي وجهة لأغلب الشركات، بسبب الفارق الذي يُحدثه في سوق العمل، ما يدفع الموظفين لضرورة التكيف مع هذا التغيير الحاد، فوفقًا لتقرير صادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، نُشر في عام 2020 بعنوان "مستقبل الوظائف"، من المتوقع أن يحتاج 54% من الموظفين حول العالم إلى إعادة اكتساب المهارات أو تحسينها بشكل كبير في عام 2025، وذلك لمواكبة التحولات الناتجة عن الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
ويشير التقرير إلى أن بناء المهارات الرقمية أصبح ضرورة حتمية، لضمان جاهزية القوى العاملة للتكيف مع التقنيات الحديثة المتسارعة، فمع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي والأتمتة، لم يعد التعليم التقليدي كافيًا، بل أصبح التدريب المستمر وإعادة التأهيل المهني ضروريين لمواكبة تطورات سوق العمل.
يتطلب ذلك استثمارات كبيرة في تطوير برامج تدريبية، تركز على المهارات التقنية، مثل تحليل البيانات والأمن السيبراني، إلى جانب المهارات الشخصية كالتفكير النقدي، كما تتحمل الحكومات والشركات مسؤولية دعم التعلم المستمر، من خلال الدورات التدريبية والشراكات مع المؤسسات التعليمية، لضمان مواكبة القوى العاملة للتحولات الرقمية.
فوائد تطبيع الموظفين مع الذكاء الاصطناعي
يمكن الإشارة إلى أهم فوائد تطبيع الموظفين مع الذكاء الاصطناعي في النقاط التالية:
- تحسين الكفاءة والإنتاجية:
يُسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين الكفاءة، من خلال أتمتة المهام الروتينية وتوفير الوقت، وفي مجال الموارد البشرية، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل السير الذاتية بسرعة، مما يسمح للموظفين بالتركيز على مهام أكثر استراتيجية، وعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي فحص السير الذاتية بحثًا عن كلمات مفتاحية، ومعايير محددة، مما يُسهّل عملية تحديد المرشحين المؤهلين.
بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في إجراء المقابلات الأولية مع المرشحين، حيث يمكن للروبوتات التفاعلية (chatbots) إجراء مقابلات وتقييم إجابات المرشحين، مما يُسرّع عملية التوظيف، ويُقلل من عبء العمل على موظفي الموارد البشرية.
من خلال هذه الأتمتة، يمكن للموظفين في الموارد البشرية التركيز على مهام أكثر استراتيجية، مثل تطوير سياسات الشركة، تحسين ثقافة العمل، والتخطيط لتطوير الموظفين، مما يُعزز الكفاءة العامة للمؤسسة.
- تعزيز الابتكار واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات:
تُعَدُّ شركة "أمازون" مثالًا بارزًا على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء وزيادة المبيعات، من خلال تحليل كميات هائلة من بيانات التسوق، حيث تقدم "أمازون" توصيات مخصصة للعملاء، مما يعزز رضاهم ويزيد من إيرادات الشركة، وعلى سبيل المثال، في عام 2024، أطلقت "أمازون" أدوات ذكاء اصطناعي توليدي، لتخصيص توصيات المنتجات على صفحتها الرئيسية، استنادًا إلى تفضيلات العملاء وسجل التصفح والشراء.
كما تستخدم أمازون الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى، مثل تحسين محرك البحث الخاص بها، لتقديم نتائج أكثر دقة وملاءمة لكل عميل، وتطوير مساعدين افتراضيين مثل "أليكسا" لتسهيل عملية التسوق عبر الأوامر الصوتية.
هذه الابتكارات تعكس كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم الشركات في اتخاذ قرارات أكثر دقة، بناءً على تحليل البيانات، مما يؤدي إلى تحسين تجربة العملاء وزيادة المبيعات.
اقرأ أيضًا: هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على المديرين التنفيذيين في اتخاذ القرارات الاستراتيجية؟
- دعم تجربة الموظف:
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين "تجربة الموظف Employee Experience"، من خلال أتمتة المهام المتكررة، مما يتيح لهذا الموظف التركيز على الأعمال الأكثر استراتيجية، وتعد أنظمة الدردشة الذكية "Chatbots" مثالًا بارزًا، حيث يمكنها التعامل مع استفسارات الموظفين حول سياسات الشركة والإجازات وكشوف الرواتب، مما يوفر وقتًا ثمينًا لقسم الموارد البشرية.
إن أتمتة العمليات يمكن أن تقلل من الوقت المستغرق في المهام الإدارية، مما يعزز الكفاءة التشغيلية، كما تساهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة الموظف، من خلال تقديم توصيات تدريبية مخصصة بناءً على مهاراتهم، مما يعزز التطوير الوظيفي والرضا الوظيفي، وبالتالي، لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على زيادة الإنتاجية، بل يسهم أيضًا في خلق بيئة عمل أكثر دعمًا وتفاعلًا، مما يعزز الأداء العام للمؤسسات.
التحديات والحلول لتطبيع الموظفين مع الذكاء الاصطناعي
هناك الكثير من التحديات أمام استخدامات الذكاء الاصطناعي هنا، ولكن هناك حلولًا لتطبيع الموظفين مع هذا الذكاء، ومن هذه التحديات والحلول:
- مقاومة التغيير والخوف من فقدان الوظائف:
تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من الموظفين يشعرون بالقلق، من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل وظائفهم، وعلى سبيل المثال، في مقال نشرته مسؤولة العلاقات العامة "جينيفر هيرمدينجر" سنة 2023، أشارت إلى استطلاع أجراه "معهد إرنست ويونج"، جاء فيه أن 75% من الموظفين قلقون من أن الذكاء الاصطناعي قد يجعل بعض الوظائف زائدة عن الحاجة، بينما يشعر 65% بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل وظائفهم الحالية.
ولمواجهة هذه المخاوف، يتعين على الشركات توعية الموظفين بأن الذكاء الاصطناعي يهدف إلى دعمهم وليس استبدالهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي مصمم لتعزيز قدرات الموظفين وزيادة إنتاجيتهم، وليس لإلغاء أدوارهم، وعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام المتكررة، مما يسمح للموظفين بالتركيز على جوانب أكثر إبداعًا واستراتيجية في أعمالهم.
- التكلفة والاستثمار في تدريب الموظفين:
يتطلب إدماج الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة في تدريب الموظفين، وتوفير البنية التحتية، ومع ذلك، فإن دراسات الحالة تظهر أن العائد على الاستثمار في التدريب غالبًا ما يكون مرتفعًا، حيث تحقق الشركات التي تستثمر في التدريب زيادة في الإنتاجية بنسبة تصل إلى 21%.
- بناء ثقافة رقمية داخل الشركة:
لتطبيع الذكاء الاصطناعي، يجب بناء ثقافة داخلية في الشركة، تشجع على الابتكار وتقبل التكنولوجيا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
- إطلاق برامج توعية وتدريب.
- تشجيع الحوار المفتوح بين الإدارة والموظفين.
- مشاركة قصص نجاح لتحفيز فرق العمل.
قصص نجاح ونظرة مستقبلية
بدأت الشركات في استكشاف كيف يمكن دمج الإنسان والآلة، لتطوير حلول مبتكرة تُحسن من الكفاءة وتزيد من الإنتاجية، ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنيات، أصبح من الضروري تسليط الضوء على بعض الأمثلة البارزة، التي قادت هذا الطريق، فضلاً عن مناقشة مستقبل العمل في ظل هذه التغيرات.
شركات قادت الطريق في الدمج بين الإنسان والآلة
تُعد شركة "جوجل Google" من الشركات الرائدة في دمج الذكاء الاصطناعي في التطبيقات اليومية، حيث استثمرت بشكل كبير في تطوير أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل Google Translate وGoogle Assistant، وهذه الأدوات لا تعزز فقط من إنتاجية الأفراد، ولكنها أيضًا تسهم في تيسير التواصل بين ثقافات ولغات متعددة، مما يعكس الجمع المثالي بين الإبداع البشري والتكنولوجيا المتطورة.
أما على الصعيد المحلي، فقد أظهرت شركات مثل "كريم Careem"، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز عمليات الخدمات اللوجستية وتحسين تجارب العملاء، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين التخطيط للمسارات، وتوقع الطلبات، وإدارة الأسطول، وتمكنت الشركة من تقديم خدمة أكثر كفاءة وسرعة، مما يعكس كيفية تكامل التكنولوجيا مع متطلبات السوق المحلية.
تستمر الشركات الكبرى في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، لتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحسين تقديم الخدمات، وحتى في تطوير المنتجات الجديدة، وهذا الاتجاه يتزايد في مختلف الصناعات، من الرعاية الصحية إلى التعليم، ويُتوقع أن يصبح عنصرًا أساسيًا في استراتيجية نمو الشركات المستقبلية.
اقرأ أيضًا: القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي.. ما يجب عليك معرفته كقائد
كيف سيبدو العمل في المستقبل القريب؟
وفقًا لتقرير "مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، من المتوقع أن يشهد سوق العمل العالمي تحولًا جذريًا بحلول عام 2030، وتشير التقديرات إلى إنشاء 170 مليون وظيفة جديدة، مع فقدان 92 مليون وظيفة بسبب الأتمتة والتطورات التقنية، مما يؤدي إلى صافي زيادة قدرها 78 مليون وظيفة.
وتشمل الوظائف الأسرع نموًا: المتخصصين في البيانات الضخمة، ومهندسي التكنولوجيا المالية، والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تنمو وظائف مهندسي الذكاء الاصطناعي بنسبة 40% سنويًا حتى عام 2030.
إن العمل في المستقبل سيعتمد بشكل كبير على التكامل بين المهارات البشرية مثل: الإبداع والتفاعل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي الذي يمكنه تحسين الأداء وتقديم حلول أكثر دقة وفعالية، وعلى سبيل المثال، سيكون الموظفون أكثر قدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، اتخاذ القرارات الأكثر استنارة، وتطوير استراتيجيات مبتكرة.
ستكون بيئات العمل المستقبلية أكثر مرونة، مع استخدام متزايد لأدوات التعاون الرقمية التي تسهل التواصل بين الفرق المتنوعة، سواء كانت تعمل في نفس الموقع أو عن بُعد، وهذا التوجه سيسهم في تحسين الإنتاجية وتوفير بيئات عمل أكثر توازنًا، حيث يستطيع الموظفون الاستفادة دعم الذكاء الاصطناعي لتحسين إنجازاتهم اليومية، دون التضحية بالإبداع البشري أو الحس الإنساني في التعامل مع الآخرين.
في المجمل، سيظل دور الإنسان محوريًا في بيئات العمل المستقبلية، لكن سيصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا مكملًا، يمكنه تحسين الأداء وتوسيع القدرات الفردية والجماعية.
