باولو كويلو يكتب لـ «الرجل» : عن الأناقة

أحيانًا أجد نفسي منحنيًا، وكلما كنت كذلك، أكون متأكدًا أن شيئًا ما ليس على ما يرام. في تلك اللحظة، وقبل أن أبحث عما يكدرني، أحاول تصحيح وضعيتي لأجعلها أكثر أناقة. وعندما أعود إلى وضعية مستقيمة، أدرك أن هذه الحركة البسيطة ساعدتني على الشعور بثقة أكبر فيما أفعله.
غالبًا ما يُخلط بين الأناقة والسطحية والموضة والافتقار إلى العمق. وهذا خطأ فادح: فالإنسان بحاجة إلى الأناقة في أفعاله وفي هيئته لأن هذه الكلمة مرادفة للذوق الرفيع، واللطف، والتوازن والانسجام.
يحتاج الإنسان إلى الصفاء الداخلي والأناقة ليخطو أهم الخطوات في حياته. وبالطبع، يجب ألا نصاب بالجنون ونقلق طوال الوقت بشأن كيفية تحريك أيدينا، أو طريقة جلوسنا، وابتسامنا والنظر حولنا. ولكن من المستحسن أن نعرف بأن أجسادنا تتحدث بلغة ما، وأن الآخرين، حتى بطريقة لا شعورية ودون وعي، يفهمون ما نقوله بما يتجاوز الكلمات.
السكينة تنبع من القلب. ورغم أننا كثيرًا ما نعاني مشاعر عدم الأمان، فإننا نعلم بأنه ومن خلال الوضعية الصحيحة يمكننا أن نستعيد التوازن مجددًا. الأناقة الجسدية، وهي ما أتحدث عنه هنا، تنبع من الجسد. وهذه ليست مسألة سطحية، بل هي الوسيلة التي ابتكرها الإنسان لتكريم الطريقة التي يضع بها قدميه على الأرض.
ولهذا السبب، عندما تشعر أحيانًا أن وضعيتك تزعجك، لا تظن أنها مصطنعة أو زائفة: بل هي حقيقية لأنها صعبة. إنها تجعل الدرب مكرمًا بوقار الحاج.
تتحقق الأناقة عندما يتخلص الإنسان من كل ما هو زائد، فيكتشف البساطة والتركيز: فكلما كانت الوضعية أبسط وأكثر رصانة كلما كانت أجمل.
الثلج جميل لأنه يملك لونًا واحدًا، والبحر جميل لأنه يشبه سطحًا مستويًا، ولكن كليهما، البحر والثلج، عميقان ويعرفان مزاياهما جيدًا.
امشِ بثبات وسعادة، دون خوف من التعثر. كل حركاتك يرافقها حلفاؤك، الذين سيساعدونك في كل ما يلزم. لكن لا تنسَ أن الخصم يراقب أيضًا، ويعرف الفرق بين يد ثابتة وبين يد ترتعش.
فإذا شعرت بالتوتر، فخذ نفسًا عميقًا، وآمن بأنك هادئ ، وعندها، ومن خلال واحدة من تلك المعجزات التي لا يمكن تفسيرها، ستحل السكينة سريعًا.
اقرأ أيضًا: باولو كويلو يكتب لـ «الرجل» : دليل تسلق الجبال
في اللحظة التي تتخذ فيها قرارًا وتشرع بتنفيذه، حاول أن تراجع ذهنيًا كل مرحلة أوصلتك إلى التحضير لهذه الخطوة. ولكن افعل ذلك من دون توتر، لأنه من المستحيل أن تحتفظ بكل القواعد في ذهنك، وبروحك الحرة، في أثناء مراجعتك لكل مرحلة، ستتذكر أصعب اللحظات وكيف تجاوزتها. وهذا سينعكس على جسدك، فانتبه!
لنقم بمقارنة مع رمي السهام، يشكو العديد من الرماة من أنهم، رغم ممارستهم فن الرماية لسنوات، ما زالوا يختبرون تسارع دقات قلوبهم بسبب القلق، وارتعاش أيديهم، وفشلهم في التصويب على الهدف. ففن الرماية يجعل أخطاءنا أكثر وضوحًا.
اليوم الذي تفقد فيه حبك للحياة، ستكون رمايتك مضطربة ومعقدة. ستدرك أنك تفتقر إلى القوة الكافية لشد الوتر إلى أقصى حد، وبأنك غير قادر على جعل القوس ينحني بالشكل المطلوب.
وعندما تلاحظ أن رمايتك كانت مشوشة في ذلك الصباح سوف تحاول أن تكتشف سبب الافتقار إلى الدقة. وهذا سيدفعك لمواجهة مشكلة كانت تؤرقك ولكنها ظلت مخفية حتى ذلك الوقت.
لقد اكتشفت تلك المشكلة لأن جسدك تقدم بالعمر وأصبح أقل أناقة.
غير وضعيتك، أرخِ جبينك، مدد عمودك الفقري، وواجه العالم بثقة تامة.
فعندما تفكر في جسدك، فأنت تفكر أيضًا بروحك، وسيساعد أحدهما الآخر.