هل أنت ضحية للأفكار السلبية؟ إليك الأسباب الخفية وطرق التحرر منها
التفكير السلبي، نمط شائع من التفكير يمكنه أن يؤثر بشكل كبير على الصحة العاطفية، والقدرة على اتخاذ القرارات، وعلى جودة الحياة بشكل عام، وفقًا لـ"الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA".
ولعل هناك العديد من الأسباب التي تـؤدي إلى هذا التفكير السلبي، ورغم أن هذه النوعية من الأفكار طبيعية وضرورية للنمو، ولكن تحولها إلى نمط متكرر دائم، يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية للغاية، تؤثر على جودة الحياة في مختلف جوانبها.
الأفكار السلبية: أسبابها وتأثيرها
التفكير السلبي هو نمط معرفي يركز على الجوانب السلبية للمواقف، ويؤدي إلى توقع نتائج سيئة وانتقاد للذات، ويعد تكرار هذه الأفكار بشكل دائم مضراً، إذ يؤثر على المشاعر والسلوكيات، ويؤدي إلى تدهور الحالة النفسية.
عبارات مثل: "لست جيداً بما يكفي"، أو "ماذا لو سار كل شيء بشكل خاطئ"، أو "لا أحد يحبني"، بشكل أو بآخر طبيعية لأن الجميع يختبرها، ولكن تكرارها بشكل دائم، وتحولها لشعار حياتي يومي، يجعلها تؤثر بشكل كبير على نظرة الشخص لنفسه، وللعالم من حوله، وذلك وفق ما يناقشه كتاب "العلاج المعرفي للسلوك Cognitive Behavior Therapy (CBT)"، لارون تي بيك، الذي نشر عام 1976.
لماذا يختبر البعض الأفكار السلبية؟
هناك أسباب متعددة تؤدي إلى اعتماد نمط التفكير السلبي، تتنوع بين الأسباب البيولوجية والنفسية والبيئية.
أولاً: الأسباب البيولوجية
- الدماغ مبرمج للبحث عن التهديدات
دماغنا مبرمج للبحث عن مصادر الخطر والتهديد، وهذا الانحياز نحو السلبية كان ضرورياً كآلية للبقاء في العصور القديمة، ولكنه في العصر الحديث يجعلنا نركز على المخاوف والقلق، حتى في غياب الخطر وفق دراسة "علم الأعصاب للميول السلبية والانحيازات الانتباهية تجاه التهديد"، التي نشرت في "مجلة علم الأمراض النفسية التجريبية" عام 2016.
- الاستعداد الجيني
تشير الأبحاث إلى أن الاختلافات الجينية قد تؤثر على كيفية إداك الأفراد للأحداث العاطفية ومعالجتها، خصوصاً السلبية منها، بالإضافة إلى ذلك فإن العصابية (الانفعالية)، والتي هي سمة شخصية تتميز بالميل إلى تجربة المشاعر السلبية، ترتبط بالعوامل الوراثية وأنماط التفكير السلبي مثل الاجترار والقلق، التي بدورها ترتبط بالاكتئاب والاضطرابات النفسية، وذلك وفق دراسة اجرتها "جامعة كولومبيا البريطانية" عام 2013.
- النواقل العصبية والهرمونات
تلعب نواقل مثل "السيروتونين" و"الدوبامين" دوراً أساسياً في تنظيم المزاج، وقد يؤدي اختلال توازنها إلى أنماط تفكير سلبية، كما تزيد هرمونات الاجهاد مثل "الكورتيزول" من حدة التركيز على التهديدات، مما يفاقم السلبية، وذلك وفق الدراسة نفسها.
ثانيًا: الأسباب النفسية
الأفكار التلقائية السلبية
وفق دراسة أجرتها جامعة كوينز في كينجستون أونتاريو، نشرت في دورية "نايشتور كوميونيكيشنز Nature Communications“ عام 2020، فإن الإنسان تنتابه ألاف الأفكار يومياً، وقد تصل إلى 6،000 أو حتى 60،000 فكرة، والغالبية منها متكرر، والكثير سلبي بطبيعته، وهذا النشاط الذهني العشوائي قد ينتج أفكاراً سلبية تلقائية، من دون أي محفر خارجي واضح.
وعندما نضيف إلى المعادلة الاكتئاب، فإن معدلها يصبح أعلى بكثير، ووفق الدكتور آرون بيك، أستاذ الطب النفسي في جامعة بنسلفانيا، الذي يعد المؤسس للعلاج المعرفي، فإن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يعانون من أفكار سلبية تلقائية، تنبثق فجأة وتشمل أحكامًا على الذات والعالم والمستقبل، وقد شبهها الدكتور دانيال أمين، الطبيب النفسي المتخصص في اضطرابات الدماغ، بالنمل الذي يغزو العقل ويعكر صفو التكفير.
التشوهات المعرفية
هي أنماط تفكير غير منطقية، تشمل التهويل على الذات وعلى الآخرين، بحيث يتم تضخيم المشكلات والأخطاء، والتعميم المفرط وتوقع الفشل في كل شيء، لأن الشخص فشل في مجال واحد، بالإضافة إلى الفلترة السلبية والاستقطاب، والأولى تقوم بالتركيز على ما هو سلبي فقط، والثانية هي رؤية الحياة إما أبيض أو أسود.
هذه التشوهات، بالإضافة إلى الشخصنة القائمة على لوم النفس علي أشياء خارجة عن السيطرة، تبرمج العقل على إعادة تكرار نفس نمط التكفير، حتى تصبح عادة، وذلك وفق دراسة "التشوهات المعرفية، أساليب الفكاهة والاكتئاب"، التي نشرتها "المكتبة الوطنية للطب" عام 2016.
الاضطرابات النفسية
الاكتئاب، والقلق، والوسواس القهري، وغيرها تعزز التفكير السلبي، فالاكتئاب يرسخ الشعور بعدم القيمة، أما القلق فيضخ التهديدات المحتملة، والوسواس القهري يولد أفكاراً سلبية، يصعب السيطرة عليها، وذلك وفق دراسة التشوهات المعرفية نفسها.
الاجترار العقلي
وفق دراسة "الاجترار الذهني: حلقة التفكير السلبي"، التي نشرتها "الجمعية الأمريكية للطب النفسي" عام 2020، فإن الاجترار العقلي يرتبط بشكل مباشر بالاضطرابات النفسية، وهو يجعل الأفكار السلبية تدور في حلقة تتغذى على نفسها، والبداية تكون بعدم القدرة على التوقف عن التفكير بمشكلة ما أو بتجربة مزعجة، لتصبح لاحقاً حلقة مغلقة من الأفكار السلبية، التي تقلل من القدرة على التفاعل الإيجابي مع الواقع.
اقرأ أيضًا: متلازمة ماري أنطوانيت.. هل يعيد التوتر تشكيل ملامحنا؟
ثالثاً: الأسباب الاجتماعية
البيئة الأسرية
الأشخاص الذين يتربون في بيئات نقدية أو بطريقة صارمة، غالباً ما يطورون صوتاً داخلياً ناقداً يكرر الرسائل السلبية التي سمعوها في طفولتهم، وهذا يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، وتفسير الأحداث بشكل سلبي.
ومثل هذه البيئات العائلية غالباً ما تنتج أطفالاً بحاجات نفسية غير ملقاة، ما يزيد من الشعور بعدم الاستقرار والخوف من الرفض الاجتماعي، وتغذي التشاؤم والسوداوية، كما ذكر فيليب سي كندال، في كتابه "العلاج المعرفي السلوكي للأطفال والمراهقين Cognitive-behavioral therapy with children and adolescent"، الذي نشر في العام 2011.
التوتر والضغوطات اليومية
المسؤوليات الحياتية اليومية، والعمل والعلاقات والمال، وغيرها تؤدي إلى التوتر، الذي يجعل الدماغ في حالة من التأهب الدائم، وهذه الحالة تجعله أكثر ميلاً لرؤية التهديدات (أي السلبية) بدلاً من الفرص.
الضغوطات الاقتصادية والفقر
البطالة والفقر والتقسيمات الاجتماعية القائمة على التمييز الطبقي، جميعها تغذي الشعور بالعجز واليأس والاحباط، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية تغذي أفكاراً مثل "مستقبلي ميؤوس منه"، وذلك وفق دراسة "الحالة الاجتماعية والاقتصادية والتصورات الذاتية حول كيف يرانا الأخرون"، والتي نشرت في "دورية الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" عام 2023.
التأثيرات الثقافية والاجتماعية ومواقع التواصل
نعيش في مجتمعات تركز على المثالية، وتمنح النجاحات المالية أهمية كبرى، ما يؤدي إلى زيادة شعور من لم يحققها بالنقص، وعندما نضيف إلى المعادلة الوصمات الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية والعقلية، فإن الغالبية تفضل إخفاء معاناتها، على التعبير عنها والحصول على المساعدة.
وطبعاً في عصر مواقع التواصل المدعوم بثقافة المنافسة في كل شيء والاستعراض، فان المقارنة تؤدي إلى تحفيز مشاعر عدم الكفاية مثل: "حياتهم مثالية، أما أنا ففاشل"، وذلك وفق دراسة نشرتها "جامعة هارفرد" عام 2019.
تقنيات فعالة للتغلب على التفكير السلبي
التفكير السلبي ليس واقعاً لا مفر منه، بل عادات ذهنية يمكن تغييرها بالتدريب والمثابرة، وذلك وفق مقال نشرته "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" عام 2017، ومن ثم يمكن التغلب على ذلك من خلال تقنيات مثل:
التعرف على النمط
يتمثل نصف العلاج في معرفة المشكلة، لذا يجب مراقبة الصوت الداخلي ومعرفة ما يقوله مصدره، فالأفكار السلبية غالباً ما تأتي على شكل تشوهات معرفية، لذلك حدد الفكرة ونوعها، وسيسهل عليك استبدالها بأخرى أكثر توازنًا.
الخطوة الأولى: دون الأفكار السلبية عندما تظهر، مثل "أنا فاشل في العمل".
الخطوة الثانية: حدد التشوه المعرفي وراءها: مثل التعميم المفرط أو التكهن بالمستقبل.
الخطوة التالية: إستبدلها بفكرة متوازنة: لقد واجهت صعوبة في هذه الجزئية، لكن لدى مهارات يمكن تطويرها، أو سأتعلم من الخطأ وسأصبح أفضل.
تقنيات العلاج السلوكي المعرفي
التقينات هذه قائمة على التحدي وإعادة الصياغة، وفق "معهد العلاج المعرفي السلوكي"، ولذلك ما عليك القيام به هو البحث عن الأدلة التي تدعم أو تدحض أفكارك السلبية، من خلال:
- اختبار الأدلة: السؤال: ما الدليل على صحة هذه الفكرة؟ هل هناك أدلة تنفيها؟ مثلاً، إن كنت تفكر بأنه لا يوجد شخص واحد يحبك، اذكر أسماء أشخاص يهتمون لأمرك.
- إعادة الصياغة: حول الجمل السلبية من "الأنا" إلى تعبير عن الموقف، مثلاً بدلاً من "أنا غبي" قل "هذا الموضوع / العمل تقني ومعقد للغاية واحتاج وقتاً لفهمه".
ممارسة اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية تساعد على الوعي باللحظة الحاضرة، دون إطلاق الأحكام، وتقنيات مثل التأمل والتنفس العميق والمراقبة الواعية، يمكن أن توفر مساحة بينك وبين أفكارك السلبية، وفق تقرير Psych Central.
ويمكن ممارسة التأمل لـ5 دقائق، والتركيز على تنفسك، ومراقبة أفكارك دون حكم أو تفاعل، كما يمكنك تذكير نفسك بالحاضر عند الانجراف للماضي، بالتركيز على ما يحيط بك من محسوسات.
بناء عادات إيجابية
- التركيز على الحلول بدل المشاعر: استبدل لماذا بكيف، أي بدلاً من "لماذا أنا غير محظوظ؟"، اسأل نفسك "كيف يمكنني تحسين وضعي؟"، وذلك وفق مقال منشور في "مايو كلينك" عام 2025.
- خطوات صغيرة: قسم الأهداف الكبيرة إلى مهام بسيطة، فبدلاً من "يجب أن أنجح"، قل "سأتعلم مهارة جديدة ستساعدني على النجاح لاحقاً”.
- ممارسة الامتنان: ذكر نفسك يومياً بأمور بسيطة تشعر بالامتنان لأنك يمكنك القيام بها.
- تجنب المحفزات: البيئات الرقمية، الصداقات السامة، البيئات السلبية، فكلها يمكنها أن تجعلك تغرق في أفكارك السلبية.
- العناية بالجسد: التمارين الرياضية تزيد إفراز "الأندروفين" وتحسن من جودة النوم، فمارسها وحافظ عليها.
