قانون كانينغهام
عبدالله المغلوث
توصّل المبرمج الأمريكي، وورد كانينغهام، إلى قانون مثير يتجسّد في أن أفضل طريقة للحصول على الجواب الصحيح على "الإنترنت" ليس في طرح سؤال، بل عبر نشر إجابة خطأ. يشير كانينغهام إلى أنه عندما يطرح أي فرد منّا سؤالاً عبر الفضاء السايبري، يحصل على إجابات محدودة أو لا يحصل، بينما يتدافع الجميع ويتزاحمون، لتصويب أي خطأ ارتكبناه.
وقد ظفر كانينغهام بهذه النتيجة، عبر تجربته في تأسيس موقع "ويكي" ومشاركته في كثير من المواقع التفاعلية. إذ لاحظ أن الأسئلة تواجَه بفتور، بينما الأخطاء تحظى باهتمام بالغ من المشاركين.
إن "قانون كانينغهام" يعكس الشهوة التي تتملّك أغلبنا، لإثبات أخطاء غيرنا. يتخلّل الكثير منّا شعور بالسعادة والزهوّ والبطولة، عندما نكتشف خطأ وقع فيه غيرُنا. وللأسف لا يعترينا الشعور ذاته، عندما نجيب عن سؤال أحد، أو نمدّ يد المساعدة له ولو افتراضياً.
هذه الظاهرة العالمية تؤكّد أننا كائنات متوحّشة تنقضّ على الخطأ كفريسة تنهشها.
لقد استثمر المحررون المتطوعون في موسوعة "ويكيبيديا" الإلكترونية هذه الغريزة الإنسانية بذكاء، عندما استدرجوا القرّاء للمشاركة في الموسوعة، عبر كتابة معلومات مغلوطة عن شخصيات أو مواضيع يتطلعون إلى إثرائها، حتى يقوم القارئ بالتصويب وملء المساحة الشاغرة.
ليس محررو "ويكيبيديا" وحدهم الذين استغلوا هذه الشهوة التي تفتننا. العالم الواقعي مزدحم بالأمثلة؛ ففي جامعة ليدز ببريطانيا، قامت إدارة الجامعة بكتابة معلومات سياحية عامة عن مدينة ليدز، في لوحة الإعلانات أمام مكاتب اتحاد الطلاب. وتحرص كل مرّة على اقتراف خطأ او خطأين في كل تحديث للإعلانات. ويقوم الطلاب حينها بتصويب الأخطاء البديهية التي تواجههم. كان هدف الجامعة من الأخطاء المتكررة، أن تستوقف المارّة والطلاب لمشاهدة لوحة الإعلانات، التي تكتظّ بدعوات لحضور محاضرات متفرقة لا تحظى بالحضور المأمول. وبالفعل أسهمت تلك الأخطاء في اعتياد الطلاب على التوقف أمام هذه اللوحة مراراً لتصحيح الأخطاء. وقد أدّى هذا التوقف الاعتيادي إلى ملاحظتهم للمحاضرات المنسيّة وازدياد الإقبال عليها.
إن "قانون كانينغهام" ينسحب على كل حياتنا. لا يرى الآخرون نجاحاتنا وتفوّقنا وعملنا بالرؤية نفسها لأخطائنا. تتضخّم أخطاؤنا في عيونهم وتصبح وليمة يقتاتون عليها.
من الجميل أن نحاول تغيير هذا القانون، أو نخفّف من سطوته عبر التوقف أمام الأشياء الجميلة؛ لإبرازها والتغنّي بها.
علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة التي تبهرنا، تستحقّ هي الأخرى، أن نتوقف أمامها تقديراً وامتناناً وتشجيعاً.
ثمّة حقيقة يجب أن نستذكرها دائماً، أن الأشياء الجميلة كالأشجار، ماؤها التشجيع لتواصل الارتفاع والسموّ.
